Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 12-12)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : كما آتينا داود منّا فضلاً ، وكان من هذا الفضل أنْ أوَّبَتْ معه الجبال ، وألنَّا له الحديد ، كذلك كان من فضل الله على ولده سليمان أنْ طوَّعنا له الريح ، وجعلناها تأتمر بأمره . وسبق أنْ بينَّا أن كلمة الريح إنْ وردت مفردة ، فهي في الشر والعذاب ، وإنْ جاءت جمعاً دلَّت على الخير والرحمة ، واقرأ قوله تعالى : { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 41 - 42 ] وقال : { بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ الأحقاف : 24 ] . وفي الرياح قال : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ … } [ الحجر : 22 ] . وبيان ذلك ، أن الريح إنْ كانت مفردة تُعَدّ ريحاً مدمرة لأنها تأتي من ناحية واحدة ، والذي يقيم الأشياء ويحفظ توازنها أن الرياح تحيط بها من كل جانب فتستقيم ، فالذي يدعم ناطحات السحاب مثلاً الهواء الذي يحيط بها ، فإنْ أفرغتَ الهواء من ناحية منها انهارتْ نحو هذه الناحية لذلك كانت الريح الواحدة من جنس العذاب ، والرياح من جنس الرحمة ، ألاَ ترى الأعاصير تدمر لأنها تأتي من جهة واحدة ؟ لكن ، هل سخَّر الله تعالى لسليمان الرياح ؟ أمْ سخَّر له الريح ؟ قالوا : لم تُسخَّر لسليمان الرياح كلها ، إنما ريحاً مخصوصة وظَّفها له وطوَّعها لأمره ، وهذه الريح أعظتْ سليمان عليه السلام عزَّة ومنعة . بحيث لا يَقْوَى أحد على مواجهته أو التصدي له . لذلك كان هو - عليه السلام - النبي والملك الذي لم يحاربه أحد ، ولم يجرؤ أحد على منازعته مُلْكَه ولا نبوته . كيف وفي يده من القوة ما لم يتوفر لغيره ، فسلطانه سلطان قَهْر إنْ أراد شيئاً أذعن الجميع لإرادته . أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فجاءت دعوته لاستمالة القلوب ، لا لإرغام القوالب لذلك خاطبه ربه بقوله : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 4 ] . ومعنى : { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ … } [ سبأ : 12 ] الغدو : السير أول النهار ، والرواح : العودة آخر النهار { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ … } [ سبأ : 12 ] أى : أذبْنا له النحاس ، كما ألنَّا لأبيه الحديد ، فهذه واحدة من الأفضال التي خصَّ الله بها سيدنا سليمان ، تذكرون قصة السد الذي بناه ذو القرنين ، فلما انتهى من بنائه قال : { آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } [ الكهف : 96 ] يعني : نحاساً مُذَاباً ، بحيث لا يستطيع أحد أنْ ينقبه . ثم يذكر الحق سبحانه أمراً آخر مما خصَّ به سليمان عليه السلام : { وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ … } [ سبأ : 12 ] ومعنى { بِإِذْنِ رَبِّهِ … } [ سبأ : 12 ] أن المسألة كلها تسخير من الله لنبيه سليمان ، وليس أمراً ذاتياً من عنده . لذلك قال : { وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا … } [ سبأ : 12 ] أي : يميل ، أو ينحرف عنه ، أو يعصاه { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ سبأ : 12 ] فأَمْر سليمان للجن من باطن أَمْر الله ، ومَنْ يَعْصِ أمره كأنه عَصَى أمرنا . ثم يقول الحق سبحانه : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ … } .