Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 13-13)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المحاريب : جمع محراب ، ويُطلق على القصر الفخم الواسع ، وعلى المكان الذي يتخذه الناس للعبادة ، ومنه قوله تعالى : { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً … } [ آل عمران : 37 ] . والتماثيل : جمع تمثال ، وهو ما يُنحَت من الحجر مثلاً ، أو يُصوَّر على هيئة إنسان ، أو حيوان ، أو طائر … إلخ . وفي مسألة التماثيل بالذات يطرأ سؤال : أيمتنُّ الله على نبيه سليمان بأن الجن تصنع له التماثيل مع ما عُرِفَ عنها من أنها رمز للإشراك بالله ، وقد حطمها الأنبياء ونهَوْا عن عبادتها من دون الله ؟ قالوا : حُطِّمت التماثيل لَمَّا اتخذها الناس للعبادة والألوهية ، وكانت من قبل لا تتخذ للعبادة ، بل للخدمة ، وللدلالة على الإهانة والإذلال ، ألم نَرَ في الآثار القديمة كرسياً أو مائدة تقوم على هيئة مجموعة من الأسود مثلاً ؟ وحتى الآن توجد قصور تقوم شُرفاتها على هيئة رجل مُنْحَنٍ يحمل الشرفة بدلاً من الخرسانة التي نصنعها نحن الآن ، إذن : كانت التماثيل تدل على الإذلال والإهانة ، فلما عُبِدت أُمِرنا بتحطيمها وتحريمها . وقوله : { وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ … } [ سبأ : 13 ] الجفان : جمع جَفْنة ، وهي القصعة المعروفة { كَٱلْجَوَابِ … } [ سبأ : 13 ] كالحوض الواسع الكبير ، وهذا كناية عن كرمه وكثرة إطعامه الطعامَ { وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ … } [ سبأ : 13 ] أي : قدور ثابتة لِكِبرها ، فهى لا تُرفع ولا تُحرَّك من مكان لآخر لعِظَمها . لذلك حُدِّثنا في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن مطعم قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جفنة قصعة طعام كنت أستظل بها في اليوم القائظ في مكة ، وهذا دليل على سِعَتها وكِبَرها وكثرة من يُطْعمون منها . ولما بنى الملك عبد العزيز آل سعود الرياض جعل بها قُدوراً للطعام ، وكان القِدْر يسع الجمل يقف بداخله ، وأذكر أنني أول ما ذهبت إلى مكة دخلت المبرَّة ، فوجدت بها قدوراً واسعة ، فوقفتُ في إحداها فوسعتني . ومعنى { ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً … } [ سبأ : 13 ] أى : شُكْراً لله على نعمه ، لا لتقوتوا أنفسكم فحسب ، إذن : فربُّك يُعلِّمك : لا تعمل على قدر حاجتك فحسب لأن في مجتمعك مَنْ لا يقدر على العمل ، فاعمل أنت أيها القادر على قَدْر طاقتك ، وخُذْ لنفسك ما يكفيك ، وتصدَّق بما فاض عنك لغير القادرين . ومعلوم أن شكر النعمة يقيدها أي يديمها بل ويزيدها ، كما قال سبحانه : { لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ … } [ إبراهيم : 7 ] . أو : المعنى { ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً … } [ سبأ : 13 ] أن أقدركم على العمل حتى تعولوا مَنْ لا يقدر على العمل { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] يعني : قليل من الناس مَنْ يقابل نعمة الله بالشكر . لذلك رُوِي أن سيدنا عمر - رضي الله عنه - سمع في الطريق رجلاً يقول : اللهم اجعلني من القليل ، فتعجَّب عمر من دعوة الرجل ، ولم يفهم معناها ، فسأله عنها ، فقال الرجل ، سمعت الله يقول : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] وأنا أرجو أن أكون منهم ، فقال عمر متعجباً : كل الناس أعلم منك يا عمر ؟ ! فمن الناس مَنْ عنده مَلَكة التقاط المعاني وتوظيفها ، من ذلك ما يُحكَى من أن رجلاً كان يسير في سوق البطيخ في بغداد وهو صائم في يوم حار ، فمرَّ برجل يبيع شراباً مثل العرقسوس مثلاً ، وينادي : غفر الله لمن شرب مني ، فمال إليه وقال له : اسْقِني ، فقال له صاحبه : تذكر أنك صائم ، فقال : والله لقد رجوتُ دعوتَه . رجل آخر كان يسعى بين الصفا والمروة ، والمسعى زمان - أنتم لم ترونَهُ - كان عبارة عن شارع به دكاكين وبيع وشراء وحركة قبل أنْ يُطوِّر بهذا الشكل الحالي ، وكان به رجل يبيع الخيار وينادي : العشرة بريال يا خيار ، فسمعه رجل يسعى ، فقال متعجباً : إذا كان الخيار العشرة بريال ، فَبِكم يكون الأشرار ؟ ! ثم يقول الحق سبحانه : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ … } .