Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 15-15)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ينقلنا الحق - تبارك وتعالى - من قصة سليمان عليه السلام إلى أهل سبأ ، فما العلاقة بينهما ؟ المتأمل في سور القرآن وآياته يجد بينها ترابطاً وانسجاماً ، والمناسبة هنا أن سيدنا سليمان كانت له أبرز قصة في الإيمانيات والعقائد مع بلقيس ملكة سبأ ، فبينهما إذن علاقة ، وهذه النقلة لها مناسبتها . وقصة سليمان والهدهد وبلقيس قصة مشهورة ، وبها دلالات إيمانية عظيمة في العقيدة ، وفي بيان أن الحيوان عنده دراية بالعقيدة ، وبأسرار الله في كونه . و سَبَأ عَلَم على رجل اسمه عمرو بن عامر ، ويُلقِّبونه بمزيقباء وأبوه ماء السماء وقد سأل كرَّة بين نسيك رضي الله عنه سيدنا رسول الله عن سبأ فقال : كذا وكذا … وكان له عشرة أولاد هم : أزد ، وكِنْدة ، ومَذْحج ، وأشعريون ، وأنمار ، وغسان ، وعاملة ، ولَخْم ، وجُذَام ، وخثعم . وقد كوَّن كل واحد منهم قبيلة كبيرة . ستة من هؤلاء ذهبوا إلى اليمن ، وأربعة ذهبوا إلى الشام ، الذين ذهبوا إلى اليمن عاشوا في خيرها الوفير ، فَيُروى أن بلقيس لما رأتْ ماء المطر يسيح في الوديان وتتشرَّبه الأرض ، فلا يستفيدون به ، فكَّرت في بناء سد بين جبلين يحجز ماء المطر ، وجعلت به عيوناً كالتي عندنا في القناطر الخيرية مثلاً ، تفتح عند الحاجة وتعطي الماء بقدر لذلك زاد الخير والنماء في اليمن ، حتى سُمِّيت اليمن الخصيب واليمن السعيد . إلا أن عرافة عندهم أو امرأة حكيمة ذات رأي قالت لسبأ هذا : إن السد سيخرب ويُغْرق ماؤه اليمن فاخرج منها ، وفعلاً خرج سبأ إلى الحجاز والشام ، حيث ذهب الغساسنة إلى الشام ، والمناذرة إلى العراق ، وأنمار إلى المدينة ، وأزد إلى عمان في الأردن . واسم سبأ بعد أنْ كان عَلَماً على شخص تعدَّى إلى أنْ صار اسماً لقبيلة ، ثم اسماً للمكان الذي يسكنونه . وقوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ … } [ سبأ : 15 ] أي : المكان الذي يسكنونه ، والمكان الذي يعيش فيه الإنسان يُسمَّى سكن أو بيت أو منزل ، ولكل منها معنى . والسكن هو المكان الذي يتخذه الإنسان ليسكن إليه وليطمئن فيه ، ويرتاح من حركة الحياة والعمل ، والإنسان لا يسكن إلا في مكان تتوفر فيه مُقوِّمات الحياة والأمن . لذلك فإن سيدنا إبراهيم عليه السلام لما وضع زوجته وولده عند البيت دعا ربه : { رَّبَّنَآ إِنَّيۤ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ … } [ إبراهيم : 37 ] . فقد كان هذا المكان جَدْباً لا زرع فيه ولا ماء ، ولا مُقوِّم من مقومات الحياة إلا الهواء ومعنى { أَسْكَنتُ … } [ إبراهيم : 37 ] أي : وطَّنْتهم في هذا المكان . أما المنزل فهو المكان تنزل فيه مرة أو عدة مرات ، ثم ترحل عنه لا تقيم فيه إقامة دائمة ، فهو كالاستراحات التي تُجعل للطوارئ ، ولا يقيم فيها أهلها إلا عدة أيام في السنة كلها . ومن ذلك ما " رُوِى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببدر سأله الصحابي الجليل الحباب بن المنذر : يا رسول الله ، أهذا منزل أنزلكه الله ؟ أن هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : " بل هو الرأي والحرب والمكيدة " قال : إذن لا أراه لك بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ، ثم نُعَوِّر نفسد ما وراءه من القُلُب ، ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أشرت بالرأي " . إذن : السكن فيه دوام واستقرار ، أما المنزل فهو استراحة ، إنْ شئتَ نزلتَ به ، وإنْ شئتَ رحلتَ عنه . أما البيت فيُلاحظ فيه البيتوتة ، والإنسان لا ينام نوماً مريحاً إلا في مكان يأمن فيه على نفسه وعلى ماله ، فإن الخائف وكذلك الجوعان لا ينام . ومن السكن قوله تعالى في بني إسرائيل : { وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً } [ الإسراء : 104 ] . أخذ أحد المستشرقين هذه الآية ، وجعلها دليلاً على أن الأرض كلها مُبَاحة لليهود ، كيف وهم في الأرض ، وأنت حين تريد هذا الأمر تقول : اسكن القاهرة ، اسكن طنطا مثلاً ، فتعين لي مكاناً ، لكن { ٱسْكُنُواْ ٱلأَرْضَ } [ الإسراء : 104 ] لها معنى آخر ، هو التقطيع الذي قال الله عنه : { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً … } [ الأعراف : 168 ] . يعني : ليس لهم وطن مخصوص ، وسوف ينساحون في الدنيا كلها ، ولن يتمكن أحد من ضربهم والقضاء عليهم ، وهم على هذه الحالة من التقطيع ، حتى يأتي أمر الله ، ويجمعهم في مكان واحد ، وعندها سيسهل القضاء عليهم . ومعنى كلمة { آيَةٌ … } [ سبأ : 15 ] نقول : فلان آية في الكرم ، وفلان آية في الأدب … إلخ ، والمراد شيء عجيب نادر الوجود ، والحق سبحانه حدثنا عن أنواع ثلاثة من الآيات : آيات كونية مثل : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلَّيلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ … } [ فصلت : 37 ] { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ … } [ فصلت : 39 ] . وآيات بمعنى معجزات وخوارق للعادة ، تأتي على أيدي الرسل لتؤيدهم وتثبت صدْقهم في البلاغ عن الله ، كما في قوله تعالى : { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ … } [ القصص : 32 ] . ثم تُطلق الآيات على آيات الكتاب الحاملة لأحكام الله في القرآن الكريم ، وهذه كلها - سواء كانت آيات كونية ، أو معجزات ، أو آيات القرآن - كلها عجائب ، وإن كانت هذه العجائب واضحة في الآيات الكونية وفي المعجزات ، فهي أيضاً واضحة في آيات الكتاب الحكيم ، فالقرآن عجيبة في تنظيم حياة الناس بدليل أن الكافر به سيُضطر إلى الأخذ بأحكامه والانصياع لقوانينه ، لا على أنها دين ، ولكن على أنها قوانين حياة . وسبق أنْ مثَّلْنا لذلك بأحكام الطلاق التي طالما نقدوها وهاجموها ، واتهموا دين الله - ظلماً وجهلاً - بالقسوة ، ثم بعد ذلك نراهم يلجئون إليه ، ولا يجدون حلاً لبعض مشكلاتهم إلا في الطلاق وفي الرجوع إلى أحكام الله ، مع أنهم غير مؤمنين به ، وهذا منتهى الغَلَبة لدين الله أن يرجع إليه الكافر به ، إنها غلبة الحق وغلبة الحجة . وسبق أنْ قُلْنا : إن أحد المستشرقين سألنا في سان فرانسيسكو قال : في القرآن { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } [ الصف : 9 ] . وبعد أربعة عشر قرناً من الزمان ما زال في الدنيا يهودية ومسيحية وبوذية … إلخ ، وهذا الكلام يدل على عدم فَهْم لمعنى الآيات ، فليس المراد { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ … } [ الصف : 9 ] أن يصبح الناس جميعاً مؤمنين ، بدليل قوله تعالى { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ … } [ الصف : 9 ] . إذن : فالدين سيظهر ظهور حجة وظهور غلبة على تقنيناتهم ، وسوف يطرأ عليهم من مشكلات الحياة ما لا يجدون له حلاً إلا في شرع الله ، وهذا هو الظهور المراد في الآية . ثم يوضح الحق - تبارك وتعالى - ماهية الآية التي كانت لسبأ في مسكنهم ، فيقول سبحانه : { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ … } [ سبأ : 15 ] وما دام الله تعالى وصف هاتين الجنتين بأنهما آية ، فلا بُدَّ أن فيهما عجائب ، وأنهما يختلفان عن الجِنَان التي نعرفها . وقد حدَّثنا العلماء عن هذه العجائب فقالوا عن هاتين الجنتين : لا تجد فيهما عقرباً ، ولا حية ، ولا ذباباً ، ولا برغوثاً … إلخ ، فإنْ طرأ عليهما طارئ ، وفي جسمه قُمَّل فإنه يموت بمجرد أنْ يدخل إحدى هاتين الجنتين ، وهذه كلها عجائب في الجنتين . ونلحظ هنا أن الآية مفرد والعجائب كثيرة لأن كلمة آية تُطْلَق على الجمع أيضاً ، ومن ذلك قوله تعالى في سيدنا عيسى عليه السلام : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً … } [ المؤمنون : 50 ] ولم يقل آيتين ، قالوا : لأن الأمر العجيب الذي جمعهما واحد ، فعيسى عليه السلام وُلِد من لا ذكورة ، وأمه حملتْ وولَدتْ كذلك من لا ذكورة ، فالآيتان آية واحدة . ومعنى : { جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ … } [ سبأ : 15 ] يحتمل أنْ يكون لكل واحد منهم جنتان ، واحدة عن اليمين ، والأخرى عن الشمال ، وبيته في الوسط ، ويحتمل أن تكون الجنتان لأهل سبأ جميعاً ، بمعنى أنها جِنَان موصولة عن اليمين ، وجِنَان موصولة عن الشمال وَصْلاً لا يُميَّز بسور ولا حائط ، مما يدل على أن الأمن كان مستتباً بينهم ، وقد شاهدنا مثل هذا في أمريكا ، حيث الحقول والمزارع ممتدة متصلة لا يفصلها إلا مجرد سِلْك بسيط . وقوله سبحانه { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ … } [ سبأ : 15 ] كيف نفهم { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ … } [ سبأ : 15 ] والناس جميعاً يأكلون من رزق الله ؟ قالوا : الناس يأكلون من رزق الله بالأسباب ، إنما هذا رزق الله مباشرة بلا أسباب لذلك يقول تعالى في موضع آخر { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ … } [ طه : 81 ] . فليس كل الرزق طيباً للأكل ، إنما هنا { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ … } [ سبأ : 15 ] أي : كله طيب ، وكله حلو ، فالفاكهة في هاتين الجنتين لا يصيبها عطب ، ولا يطرأ على ثمارها ما يطرأ على الثمار من فساد لذلك سيقول سبحانه في آخر الآية : { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } [ سبأ : 15 ] . ونعرف أن البساتين مؤونة الخدمة فيها قليلة لذلك نرى الفلاح حين يضيق بزراعة الأرض وأجور العمالة يلجأ إلى زراعة الحدائق والبساتين المثمرة لأنها أقلّ تكلفة ، ولا تحتاج إلى رعاية كثيرة إلا وقت الإثمار . والحق سبحانه يقول في غير هذا الموضع : { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [ الواقعة : 63 - 64 ] فأثبت لهم عملاً وحرثاً ، إنما المسألة هنا في هاتين الجنتين ، فهي عطاء من الله بلا عمل وبلا أسباب ، فالله سبحانه هو الزارع ، وقد خصَّها بالجو اللطيف ، لا حرَّ ولا قرَّ ، ولا سآمة ، ولا مخافة ، ولا زهد في نعمة من النعم لتكرارها . إذن لا عمل لهم في حدائقهم ينتج ما يستمتعون به ، إنما عملهم أنْ يشكروا المُنعِمَ سبحانه ليزيدهم من الخيرات ، وشكْر النعمة هو حكمة العبد مع مولاه لذلك قال سبحانه عن لقمان : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ … } [ لقمان : 12 ] ما هذه الحكمة ؟ { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ … } [ لقمان : 12 ] لأن شكر النعمة يزيدها . وقوله سبحانه : { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ … } [ سبأ : 15 ] يعني : تعطيك طيب الأشياء بدون منغصات فيها لأن هناك أشياء تعطيك طيباً تهنأ به ، لكنها تتعبك وتنغِّصك فيما بعد . أما هذه البلدة فما فيها طيب تأكله هنيئاً مريئاً لأنها رزق الله بدون أسباب من العباد ، لكن حين يتدخل العباد في عطاء الله تظهر في النعم متاعب ومنغِّصات ، وهذا ما نعاني منه الآن بسبب التدخل في المزروعات بالمواد الكيماوية والمبيدات الحشرية ، التي أفسدت علينا حياتنا ، وجاء ضررها أكثر من نفعها حتى أصبحنا نعزو كل الأمراض إلى تدخّلنا في عطاء الله ، ولو تركنا الأرض تُروى بماء السماء كما كان في البداية لذُقْنا الخير بلا مُنغِّصات ، فمن الضروري أن نتأدب مع الله في عطائه . لذلك تجد كثيراً من المترفين والمثقفين وأهل العلم والفلاسفة يحبون الخروج من ضوضاء المدن وتلوث هوائها ومياهها وما فيها من صخب ويخرجون إلى الريف أو البراري ، يهربون من الآثار الضارة للحضارة الحديثة إلى الخلاء ، حيث يعيش راعي الأغنام ، حيث الطبيعة كما خلقها الله ، وحيث الفطرة السليمة التي لم يتدخل فيها البشر . تذكرون في الماضى ، كنا نقاوم دودة القطن مقاومة يدوية طبيعية ، فلما تقدمت العلوم جاءوا بمادة دى دى تي للقضاء على دودة القطن ، لكن هذه المادة السامة أماتتْ كل شيء في الحقول ، قضَتْ على الأسماك في الترع والمصارف ، وقضتْ على أبى قردان صديق الفلاح ، ولوَّثت الماء والمزروعات . … إلخ . أما دودة القطن فهي الوحيدة التي أخذت مناعة ، وأصبحت كما قلنا كييفة دى دى تي . أما سبأ فكانت { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ … } [ سبأ : 15 ] بكل ما فيها من طيب الماء والهواء والتربة لم يُصِبْها تلوث من أىِّ نوع ، وإذا كانت البلدة نفسها طيبة ، فما بالك بما عليها ؟ وفى الآية طلبان { كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ … } [ سبأ : 15 ] وفيها تحذير : إياك أنْ تغتر بالنعمة ، وتظن أنها أصبحت ملكاً لك ، وتنسى المنعم بها عليك ، إياك أنْ تكون كالذي قال الله فيه { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [ العلق : 6 - 7 ] . إياك أن تظن أنك أصيل في هذه المسألة ، وظلّ دائماً على ذِكْر بأن المنعم هو الله ، وأن ما أنت فيه هو من عطاء الله ، ثم بعد ذَلك عليك أن تشكره سبحانه لأن الشكر قيد النعم . وفي موضع آخر ، تكلم الحق سبحانه عن شكر النعمة فقال : { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ } [ سبأ : 13 ] والحمد لله أنه سبحانه لم يقُلْ : وقليل من عبادي الشاكر ، وتعلمون أن الشكور صيغة مبالغة من الشكر ، أو الشكور هو الذي يشكر على النعمة ، ثم يشكر الله على أن ألهمه أنْ يشكر على النعمة ، فكأنه قدَّم الشكر مرتين . ثم لم يَقْصُر النعمة على أهل سبأ في الدنيا وحَسْب ، إنما تعدَّت نعمته عليهم إلى الآخرة ، ففى الدنيا { بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ … } [ سبأ : 15 ] وفي الآخرة { وَرَبٌّ غَفُورٌ } [ سبأ : 15 ] يعني : يتجاوز عنكم إنْ حدثت منكم زَلَّة أو هفوة . ثم يُبيِّن الحق سبحانه النتيجة وردَّ فِعْلهم : فيقول : { فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ ٱلْعَرِمِ … } .