Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الهمزة هنا للاستفهام . والمعنى : كيف يقولون هذا ويغفلون عن آيات الله في كونه ، وهي ظاهرة لهم غير مطموسة عليهم لأنهم يعيشون في بادية سماؤها مكشوفة لهم ، ليستْ ذات عمائر تحجب عنهم آيات الله كأهل المدن مثلاً ، قلَّما يَروْن الشمس أو القمر ، وإذا حدث كسوف أو خسوف لا يدرون به إلا من أخبار الصحف . أمَّا أهل البادية فيعيشون في صحراء شاسعة ، وتبدو لهم صفحة السماء ، أنيسهم الشمس بالنهار ، والقمر والنجوم بالليل ، وهم ينظرون إلى هذه الآيات ويتأملونها لذلك قال الرجل العربي وهو يتأمل الكون من حوله وهو على الفطرة : سماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، القدم تدل على المسير ، والبعرة تدل على البعير ، أفلا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير ؟ إذن : كيف وآيات الحق واضحة أمامكم - تتهمون رسول الله وتغفلون عن آيات الله { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ … } [ سبأ : 9 ] معنى { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ … } [ سبأ : 9 ] أمامهم { وَمَا خَلْفَهُمْ … } [ سبأ : 9 ] وراءهم ، ويمكنك أن تزيد يمينهم وشمالهم لأنك أينما سِرْتَ في هذه الاتجاهات فلن تجد إلا السماء ، حتى لو قلت تحتهم وحاولتَ أنْ تخترق الأرض فلا بُدَّ أن تصل في النهاية إلى سماء في الجهة الأخرى ، لكنه لم يقل تحتهم لأن الإنسان لا يستطيع أن يخترق الأرض إلى نهايتها . ثم أيُّ عظمة في خَلْق السماء بهذا الاتساع وهي بلا عمد ؟ إنك لا تستطيع إقامة خيمة مساحتها عدة أمتار إلا بأن تثبتها بالحبال والأوتاد وترفعها بالأعمدة ، ولو هبَّتْ عليها الريح اقتلعتْ أوتادها وأعمدتها وهدمتها على مَنْ فيها ، فكيف تمرُّ على آيات الله في السماء وفي الأرض دون أن تتأملها ؟ ثم يقول سبحانه : { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ … } [ سبأ : 9 ] كما خسفها بقارون { أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ … } [ سبأ : 9 ] كما نزلت الصاعقة من قَبْل على المكذِّبين للرسل و كسفاً جمع كسفة أي : قطعة { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } [ سبأ : 9 ] آية يعني : عبرة وعِظَة لكل عبد يحاول أنْ يرجع لربه . فكأن الحق سبحانه جعل في كونه هذه الآيات لتُذكِّر كل غافل ، وتردّ كل كافر ، وتعطفه إلى أنْ يرجع إلى ربه ، ولو رجع الكافر إلى ربه لَقَبِلَه . إذن : الحق سبحانه خلق الخَلْق ، ويريد أن يسعدهم ، لكن لا بُدَّ أنْ نختبر مَنْ يستحق السعادة ، وأن نُميز مَنْ أطاع منهج الله ومَنْ عصاه . لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَثَلي ومَثَلكم كرجل أوقد ناراً فأخذ الذباب والفراش يتهافت عليها ، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلَّتون مني " . فالحق سبحانه يفتح لعباده - حتى الكافرين منهم - باب الأمل ليعودوا إلى ساحته ، وقد ورد عن رسول الله أنه قال : " لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم وقع على بعيره وقد أضلَّه في فلاة " ففتح بالتوبة وبالإنابة باب الرجوع إليه ، وخاصة إذا اكتملتْ للإنسان الوسائل الداعية للتوبة من تقدُّم السن أو المرض … إلخ . مما يبعد الإنسان عن مَظَانِّ الشهوات ، ويدعوه لأنْ يُقبل على الله ويصلح ما فسد من علاقته بربه وخالقه ، حتى إذا ما عاد إليه يوم القيامة عاد طاهراً من ذنوبه ذلك لأن الخَلْق خَلْقه ، وصَنْعته ، والصانع يريد لصنعته الخير والسعادة . وسبق أنْ ذكرنا الحديث الذي يُوضِّح أن السماء والأرض والجبال والبحار تمرَّدتْ على ابن آدم ، واستأذنت ربها - تبارك وتعالى - أن تفتك به . فقالت السماء : يا رب ائذن لي أن أسقط كِسَفاً على ابن آدم ، فقد طَعِم خيرك ، ومنع شكْرك … إلخ ، فماذا قال الحق سبحانه لها ؟ قال : دعوني وما خلقتُ ، لو خلقتموهم لرحمتموهم ، إنْ تابوا إليَّ فأنا حبيبهم ، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم . ثم يقول الحق سبحانه : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يٰجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَٱلطَّيْرَ … } .