Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 40-40)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لا يقال : فلان لا يدرك فلاناً إلا إذا كان سابقه ، كذلك الشمس لا تدرك القمر لأنه كما قُلْنا سابقها وأسرع منها لأنه يقطع دورته في شهر ، وتقطع الشمس دورتها في سنة . كذلك : { وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } [ يس : 40 ] الليل والنهار هما الزمن الناشىء عن حركة الشمس والقمر ، فالنهار ابن الشمس ، والليل ابن القمر ، وفي هذه الآية نَفْيَان ، نفي لأنْ تدرك الشمسُ القمرَ فضلاً عن أنْ تسبقه ، ونفي لأنْ يسبق الليلُ النهارَ ، فإذا كانت الشمس لا تدرك القمر ، فليس معنى هذا أن يسبق الليلُ ابن القمر النهارَ ابن الشمس . إذن : إياك أنْ تقول إن الليل يسبق النهار لأن هذه آيات كونية أرادها الخالق سبحانه . والحق سبحانه حينما يتكلم في قضية قد تقف فيها العقول يأتي لها بالرمزية بحيث يستطيع العاقل المفكر الذي يقرأ الأساليب ويُدقِّقها أنْ يصل إلى مطلوب الله فيها ، أما مَنْ حُرِم هذا الاستعداد فيمرُّ عليها مروراً عابراً لا يصل منه إلى شيء . ونقول في هذه المسألة الكونية : صحيح القمر يسبق الشمس ، لكن الليل لا يسبق النهار ، وتأمل العلاج بالأساليب . والحق سبحانه إذا قال : { وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } [ يس : 40 ] فإنه سبحانه لا يقول ذلك إلا إذا كان هناك معتقد بأن الليلَ يسبق النهارَ ، فأراد سبحانه أنْ يُصحِّح لهم هذا الاعتقاد ، فنفى أنْ يسبق الليل النهار { وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } [ يس : 40 ] وهذا يعني أن عندي قضية هي : ولا النهار يسبق الليل . إذن : المحصلة لا الليلُ يسبق النهارَ ، ولا النهارُ يسبق الليلَ ، فالقضية التي أثبتوها أراد الله نفيها والقضية التي نفوْهَا تركها على حالها . لكن ، كيف يتأتَّى لهم هذا الفهم ؟ قالوا : ظنوا أن الليل يسبق النهار ، لأن اليوم يثبت بالليل لا بالنهار ، ففي صيام رمضان مثلاً يثبت بداية اليوم من الليل ، فلما كان ذلك ظنوا أن الليلَ يسبق النهارَ ، إذن : عندهم قضية مقطوع بها ، هي أن النهار لا يسبق الليل ، وهذه لم يتعرض لها القرآن وتركها كما هي ، أما القضية المخالفة للآية الكونية فصححها لهم { وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ } [ يس : 40 ] . إذن : نحن أمام لغز يقول : الليل لا يسبق النهار ، والنهار لا يسبق الليل ، كيف ؟ قالوا : لو أن الله تعالى خلق الأرض مسطوحة مواجهة للشمس لكان النهار أولاً ، ثم تغيب الشمس فيحلُّ الليل ، أما لو كانت الأرض غير مواجهة للشمس لكان الليل أولاً يعقبه النهار ، لكن الحقيقة أن الله تعالى خلق الأرض على هيئة كروية بحيث لا أسبقيةَ لليل على نهار ، ولا لنهار على ليل لأنهما وُجِدا معاً في لحظة واحدة لأن الأرض مُكوَّرة ، فما واجه منها الشمسَ كان نهاراً ، وما غابتْ عنه الشمس كان ليلاً . لذلك حلَّتْ لنا هذه الآية مشكلة طال الجدال حولها هي : كروية الأرض . وقوله سبحانه : { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس : 40 ] يسبحون من السبح ، وهو قَطْع المسافة على ماء لين ، فهي حركة فيها انسيابية ، ليست على أرض تدبّ عليها الأقدام ، وهذا مثال لحركة الأفلاك ، وهذه الحركة السبحية يكون كل جزء منها مُوزَّعاً على جزء من الزمن . وهذه الحركة ليس لدينا المقاييس التي ندركها بها ، إنما نعرفها من جملة الزمن مع جملة الحركة ، فمثلاً لو وُلد لك مولود وجلستَ ترقبه وتلاحظ نموه ، فإنك لا تلاحظ هذا النمو ، ولا يكبر الولد في عين أبيه أبداً ، لماذا ؟ لأن نموه لا يأتي قفزةً واحدة يمكن ملاحظتها ، إنما يُوزَّع النمو على الزمن ، لكن إذا غِبْتَ عن ولدك عدة شهور أو سنوات فإنك تلاحظ نموه حين تعود وتراه لأنك تلاحظ مجموع النمو طوال فترة غيابك عنه . فمعنى : { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس : 40 ] يعني : يسيرون سيراً انسيابياً متتابعاً يُوزَّع على الزمن . ثم يقول الحق سبحانه : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ … } .