Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 68-68)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه قد أعذر بأنه أنذر ، وأعذر لأنه قال لهم لا تعبدوا الشيطان وبيَّن عداوته ، وقال : اعبدوني واسلكوا صراطي المستقيم ، إذن : ليس لهم عذر حين كفروا بالله وأطاعوا الشيطان وعبدوه ، لكنهم قد يعتذرون من ناحية أخرى فيقولون : يا رب أنت أخذتنا ولو عشْنا لاهتدينَا وعُدْنا إلى الصراط المستقيم ، فيرد الله عليهم : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ … } [ فاطر : 37 ] . يعني : قد عمَّرناكم عمراً طويلاً يكفي للتذكُّر والعودة فلم تعودوا ، ثم إن التعمير يُورِث الضعف والوَهَن وعدم القدرة ، فأنت أول الحياة عندك فتوة وقوة ونشاط بدني وذهني ، لكن مع الكِبَر تضعف البنية ، وتقِلُّ القوة العضلية والعقلية ، ويعود الإنسان إلى الضعف الذي بدأ به وهو طفل صغير ، وكما قال تعالى : { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً … } [ النحل : 70 ] . فإذا كنتم لم تعودوا ولم ترعووا في فترة القوة وسلامة العقل والتفكير ، أتعودون في فترة الهَرم والضعف والنسيان ؟ لذلك يقول هنا الحق سبحانه : { وَمَن نُّعَمِّرْهُ } [ يس : 68 ] نطيل عمره ونَمُد له فيه { نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ } [ يس : 67 ] الانتكاس : العودة إلى الوراء ، والرجوع إلى ما كنتَ عليه أولاً ، فَطُول العمر يعود بالإنسان إلى مرحلة الطفولة الأولى ، فهو نكسة في حقه حين يصير شيخاً هرماً لا يستطيع الحراك ولا الكلام ، وتأخذ ذاكرتُه في الضعف فينسى ويخرف ، فهو كالطفل تماماً يحتاج مَنْ يحمله ويُطعمه ويُزيل عنه الأذى … الخ ، فهل في هذه الحال عودة ؟ وهل ينفع معها تفكُّر وتدبُّر ؟ { أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } [ يس : 68 ] يعني : أين عقولكم في هذه المسألة ، والحق سبحانه يسوقها بأسلوب الاستفهام ، ولا يأتي بها على سبيل الإخبار ليجيبوا هم ويُقِرُّوا على أنفسهم بعدم التعقُّل .