Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 12-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى بَلْ إضراب عن الكلام السابق وبداية لكلام جديد عَجِبْتَ بالفتح أي : يا محمد . والعَجَبُ : هو استغراب وقوع شيء على خلاف نظائره ، ومن ذلك قوله تعالى في العقائد : { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ … } [ البقرة : 28 ] . يعني : كيف يحدث منكم الكفر بعد أنْ فعلنا بكم ذلك ؟ هذا شيء مُسْتغرب ، ومسألة عجيبة . يعني : جاءت على خلاف ما يُنتظر منكم . لكن من أيِّ شيء عجب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ عجب من إنكارهم ومن كفرهم ، مع وضوح الأدلة الدامغة على صِدْق قضية الإيمان . وقد سُقْنا لهم الدليل تِلْو الدليل ، ومع ذلك كذَّبوا لذلك قال تعالى مُخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم في موضع آخر : { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ … } [ الرعد : 5 ] . يعني : وافق الله محمداً على أنْ يعجب . والمعنى : إنْ تعجب يا محمد فقولهم عَجَب . لكن عجب عند مَنْ ؟ يجوز عجب عند رسول الله ، ويجوز عجب عند الله تعالى ، إذن : هل يعجب الله تعالى كما نعجب ؟ قالوا : نعم ، بدليل أن فى هذه الآية قراءةً بالضم بل عجبتُ بتاء المتكلم سبحانه ، وبدليل ما ورد في الحديث الشريف : " تعجب ربك من شاب ليست له صَبْوة " . لماذا ؟ لأنه خرج على طبيعة التكوين الإنساني ، أو قدر على نفسه وتحكم فيها ، بحيث لم يفعل ما يفعله الشباب ، فهذا شيء مستغرب منه ، ومعنى تعجب الحق سبحانه من هذا أنه يستغرب منه هذا العمل ليجازيه جزاءً مُستغرباً كذلك . وسبق أنْ قُلْنا : إذا وُجدت صفة مشتركة بيننا وبين الحق سبحانه ، فعلينا أن نأخذها في إطار { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] . ومن ذلك قوله تعالى : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] . وقوله : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] . لذلك إياك أن تقول : الله خادع أو الله ماكر لأن هناك فَرْقاً بين أسماء الله تعالى وأفعال وصف الله بها نفسه سبحانه . فالمكر مثلاً من أفعال البشر يُراد به خداع الخصم والتخييل عليه ، لتستطيع أنت أنْ تنفذ إلى غَرَضك منه ، وهذا المكر يقابله مَكْر مثله يشاكله أو أمكر منه . والمكر مأخوذ من قولهم شجرة ممكورة ، وهي شجرة ذات عيدان ملفوفة بعضها على بعض ، بحيث لا تستطيع أنْ تميِّزها ، ولا أنْ تردَّ كل فرع فيها إلى أصله ، كذلك المكر فيه لفٌّ وحيل لتستر سيئاتك عن خَصْمك ، هذا في مكر البشر بعضهم ببعض ، لكن إنْ مكر الله بك فلن ينجيك من مكره شيء لذلك قال سبحانه : { وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ آل عمران : 54 ] . وقوله تعالى : { وَيَسْخَرُونَ } [ الصافات : 12 ] السخرية هي الاستهزاء من الشيء ، والمعنى أنك تعجب يا محمد من نكرانهم وتكذيبهم مع وضوح الأدلة ، وهم يسخرون منك ومن تعجبك { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } [ الصافات : 13 ] يعني : بآيات أخرى وبراهين ترشدهم { لاَ يَذْكُرُونَ } [ الصافات : 13 ] أي : يُعرضون عنها ، ولا يلتفتون إليها ، ويصرون على الإنكار { وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً } [ الصافات : 14 ] أي : دليلاً جديداً { يَسْتَسْخِرُونَ } [ الصافات : 14 ] أي : يبالغون في السخرية . ففي الآية قبل السابقة قال : { وَيَسْخَرُونَ } [ الصافات : 12 ] وهنا { يَسْتَسْخِرُونَ } [ الصافات : 14 ] هذا دليل على أن من هؤلاء المكذبين أناساً ترقُّ قلوبهم لآيات الله وللأدلة الإيمانية ، وحين ترقُّ قلوبهم تخفّ لديهم نزوة الكيد لمحمد ، فيكتفون بالتكذيب دون السخرية لأن الإباء يأتي على درجات ، فواحد يأبى أنْ يفعل ما تأمره به ، وآخر يأبى أن يفعل ويسخر منك . فهؤلاء الذين يسخرون لا يكتفون بالسخرية من رسول الله ، إنما { يَسْتَسْخِرُونَ } [ الصافات : 14 ] يعني : يطلبون ممَّنْ لا يسخر أنْ يسخر ، يعني : يستسخرون غيرهم ، إذن : هناك فَرْق بين يسخرون ويستخسرون ، حتى لا نقول كما يقول بعض المستشرقين : هذا تكرار في كلام الله .