Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 145-148)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
نلحظ في الأَخْذ ، قال { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } [ الصافات : 142 ] فنسب الفعل للحوت ، لكن هنا في النجاة نسب الفعل إلى الله ، فقال { فَنَبَذْنَاهُ } [ الصافات : 145 ] أي : ألقيناه وطرحناه { بِٱلْعَرَآءِ } [ الصافات : 145 ] أي : في أرض فضاء واسعة { وَهُوَ سَقِيمٌ } [ الصافات : 145 ] يعني : مريض أو مُتْعب من الضيق الذي عاناه في بطن الحوت ، أو سقيم من التفكير فيما حدثَ من قومه ، وفيما حدث منه ، فهي تحتمل السقم المادي والمعنوي . ثم لم يتركه ربه بهذا العراء ، بعد أنْ ألقاه الحوت في هذه الأرض الفضاء وهو مُتْعَب ، وأشبه ما يكون بالطفل بعد ولادته ، فأنبتَ اللهُ له شجرةَ اليقطين { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } [ الصافات : 146 ] وهي شجرة عريضة الأوراق قالوا : هي شجرة القرع تستره وتُظِلُّه وتحميه من الذباب والحشرات لأنه خرج وحوله إفرازات من بطن الحوت تعوق تنفُّس جلده ، وتعوق حالته الصحية ، وتجعله لزقَ المزاج . لذلك لما سُئِل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شجرة اليقطين ، قال : " هي شجرة أخي يونس " . والهاء في عَلَيهِ تعود على سيدنا يونس ، وهذا يعني أن إنبات هذه الشجرة حدث بعد أنْ ألقاه الحوت في العراء ، ولم تكُنْ شجرة اليقطين موجودةً في هذا المكان من قبل . إذن : فالتقام الحوت لسيدنا يونس - عليه السلام - كان رحمةً له من الله بدلَ أنْ يضيعَ في البحر الواسع وتتقاذفه الأمواج لا ندري أين تذهب به ، أما الحوت فله إرادة ويمكنه الاحتفاظ به وإلقاؤه على البرِّ . فنحن أمام سلسلة من رحمات الله ليونس عليه السلام . وقوله تعالى : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [ الصافات : 147 - 148 ] كأن الحق سبحانه يقول لنا : إياكم أنْ تظنوا أن ما حدث من يونس يقدح في رسالته ، أو يجعلنا نغير رأينا فيه كرسول ، فهو مرسل إلى { مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] والمائة ألف هنا قد تكون كناية عن العدد الكثير لأن الألف قديماً كان منتهى ما يُعرف من العدد عند الناس . لذلك لما أرادوا أنْ يفدوا بنت كسرى أظن حين وقعت في الأسْر عرضوا على مَنْ جُعِلَتْ في سهمه من المسلمين كذا ألف فوافق ، فقال له أصحابه بعد أنْ عقد هذه الصفقة : لماذا لم تطلب أكثر من ذلك ، فهم قادرون على أنْ يفدوها بالمال الكثير ؟ قال : والله لو أعلم أن وراء الألف عدداً لَقُلْتُ . وقوله تعالى : { أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] هل الحق سبحانه لا يعرف عدد هؤلاء القوم على وجه التحديد ؟ نعم يعرفهم سبحانه وتعالى ، ولو أراد لذَكَرهم لنا تحديداً ، إنما قوله { أَوْ يَزِيدُونَ } [ الصافات : 147 ] ليس للدلالة على الزيادة ، إنما لتأكيد العدد السابق المائة ألف ، كما أعطيت فلاناً حقه ويزيد ، فأنت لا تتحدثُ عن الزيادة إنما تؤكد على العدد ، وأنه غَيْرُ ناقص لأن الألفَ يُطلَق أيضاً على ما يقرب الألف مثل تسعمائة وتسعة وتسعين ، إذن : فالزيادة هنا تؤكد تمام العدد . وقوله تعالى : { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } [ الصافات : 148 ] وما دام المتاعُ موقوتاً بزمن ينتهي عنده ، فهو متاع الدنيا ، ومُتعة الدنيا للمؤمن تنتهي إلى خير منها ، فلا تَقُلْ إذن : أنهى اللهُ متعةَ المؤمن لأن انقطاع متعة الدنيا يُوصِّلك بمتعة الآخرة ، وتمتُّعك في الدنيا موقوت بعمرك فيها ، ومحدود بحدود إمكانياتك وقدراتك ، أما متعة الآخرة فباقية وتأتي على قدر إمكانيات المنعِم سبحانه . إذن : هذا إكرام أنْ تُنقل من نعيم الدنيا إلى نعيم الآخرة ، فقوله { إِلَىٰ حِينٍ } [ الصافات : 148 ] يُعَد جميلاً من الله . بعد ذلك ينتقل الحق سبحانه إلى قضية أخرى : { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ … } .