Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 149-152)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { فَٱسْتَفْتِهِمْ } [ الصافات : 149 ] كلمة استفتى أي : طلب الفُتْيا ، مثل استخرج طلب الإخراج ، واستفهم طلب الفهم ، والفتية تعني منتهى القوّة ، ومنها الفتى والفتوة . فمعنى : استفتى طلب ما يُقوِّيه في جهة الفتوى ، فالذي لا يعرف قضية دينية مثلاً يسأل عنها ويستفتي يعني : بعد أنْ كان ضعيفاً في الدين ، يطلب أنْ يصيرَ قوياً في أمر دينه ، ومن ذلك قوله تعالى في سيدنا إبراهيم : { سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } [ الأنبياء : 60 ] . وفي أهل الكهف : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ } [ الكهف : 13 ] . يعني : لم يكونوا شيوخاً ، وعجيبٌ أنْ يأتي الإيمانُ مع فتوة الشباب وعنفوانه ، وهو مَظنَّة الشهوات والرغبات لذلك ورد في الحديث : " عَجِبَ ربُّكَ من شاب ليستْ له صَبْوة " . والحق سبحانه بيَّن لنا في مقاييس المجتمعات أنها لا تخلو عن اثني عشر نوعاً ، سِتٌّ منها في المحبوبية ، وستٌّ في المبغضين والعياذ بالله ، المحبوبون منهم المحبوب والأشدّ حباً ، والمبغضون كذلك منهم المبغّض والأشدّ بُغْضاً . يقول تعالى في الحديث القدسي : " أحب ثلاثاً وحُبي لثلاث أشدّ : أحبُّ الشيخ الطائع ، وحُبِّي للشاب الطائع أشدّ ، وأحب الغني الكريم وحُبي للفقير الكريم أشدّ ، وأحب الفقير المتواضع وحُبي للغني المتواضع أشدّ " . هؤلاء الستة المحبوبون ، وتستطيع أنت أنْ تأتي بالمقابل لهؤلاء ، وهم المبغوضون والعياذ بالله . إذن : الشاب الطائع أكثر محبةً عند الله لأن عنده دواعيَ الشهوة ومبرراتها وعنفوانها ، ومع ذلك تغلّب عليها وسلك طريق الطاعة على خلاف الشيخ الذي ذهبتْ شهوته وقَلَّتْ دواعيها عنده ، كذلك الحال في الغني الكريم وفي الفقير المتواضع . هؤلاء الثلاثة يُمثِّلون قمة الرقي في المجتمعات ، وقمة الخلافة في الأرض ، وتصوَّر مجتمعاً شبابه طائعون ، وفقراؤه كرماء ، وأغنياؤه متواضعون . تحت هذا درجةَ مجتمع شيوخه طائعون ، وأغنياؤه كرماء متواضعون ودون هؤلاء المبغضون ، والعياذ بالله . فالمعنى { فَٱسْتَفْتِهِمْ } [ الصافات : 149 ] يعني : اطلب منهم الفتوى التي تُقوِّيك في أمرك الجدلي لذلك نقول للمفتي الذي يقصده الناس للفتوى الناس يريدون أنْ تُقوِّيهم برأيك ، فلا تذهب بهم ناحية المياسير لأنك بذلك تشجعهم على المياسير ، فأنت إذن لا تُقويهم إنما تضعفهم ، بل أعطهم الحكم الصحيح فهو القوة الحقيقية . لكن ، لماذا يطلب الحق سبحانه من النبي أنْ يستفتي القَوْمَ ؟ قالوا : لأن القضية حين تكون معلومة الحكم عند المتكلم يقول : أنا لا أقضي فيها ، إنما خَصْمي هو الذي يقضي ، لماذا ؟ لأنك واثق أنه إذا أدار المسألة في ذهنه لن يجدَ إلا أن يقولَ ما تريده أنت ، كما تقول لمن ينكر جميلك أنا راضٍ حكمك ، ألم أقِفْ بجانبك يوم كذا وكذا ؟ هكذا على سبيل السؤال لأنك واثق من الجواب . أما لو جاء الكلام منك خبراً ، فالخبر يحتمل الصدق ويحتمل الكذب لذلك ناقش الحق هذه القضية بهذا الاستفهام { أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } [ الصافات : 149 ] هذا استفهام يحمل معنى الإنكار والتعجب ، يعني : كيف تقولون ذلك لأنهم قالوا : الملائكة بنات الله ثم نسبوا لله سبحانه الولد . لذلك يرد القرآن عليهم { أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } [ الصافات : 149 ] كيف ؟ مَن الذي خلق ؟ إنه الله خالق الذكر وخالق الأنثى ، فكيف تختارون لأنفسكم الجنسَ الأفضل وهم الذكور ، وتجعلوا لله تعالى البنات ؟ كيف وأنتم إذا بُشِّر أحدكم بالأنثى ظلَّ وجهه مُسودّاً وهو كظيم يتوارى من القوم من سُوء ما بُشِّر به ، ثم يفكر : { أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } [ النحل : 59 ] . كلمة { يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ } [ النحل : 59 ] يعني : حياً لأن عاطفة الأبوة لا تتحمل أنْ يرى الوالدُ ولده وهو يموت ، أو أنْ يخنقه بيده لذلك يتخلص منه بدفنه في التراب حتى لا يراه . وفي آية أخرى قال سبحانه : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [ الزخرف : 17 - 18 ] يعني : أتجعلون لله مَنْ يُربَّى في النعمة والزينة ، وهم البنات ، وتجعلون لأنفسكم البنين القادرين على العمل والسعي وتحمُّل المشاق ، لذلك حكم سبحانه على هذه المسألة بأنها قِسْمة ظالمة جائرة . فقال سبحانه : { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [ النجم : 21 - 22 ] تأمل كلمة ضيزى ، والله لو كان في غير القرآن لكانَ ثقيلاً غيرَ مستساغ ، لكنه يأتي في سياقه من كلام الله طبيعياً سلسبيلاً ، لماذا ؟ لأنه وُضِع في مكانه ليعبر عن هذه القسمة الجائرة العجيبة ، التي لا يعبر عنها إلا هذا اللفظ العجيب بما يحمله من جَرْس يرنّ في الأذن . ثم يقول الحق سبحانه وتعالى : { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ } [ الصافات : 150 ] . إذن : أنتم مخطئون ، بل جهلة أغبياء في قضيتين : الأولى : أنكم جعلتم الملائكة إناثاً ، والأخرى : أنكم أخذتم الذكور لأنفسكم وتركتم لله البنات ، فمَنْ قال لكم إن الملائكة بنات ، فكلمة بنت وولد منشؤها الزوجية والتناسل ، والملائكة لا يتزوجون ولا يتناسلون ، ولا يتصفون بذكورة ولا أنوثة . ثم إن الذي يحكم على الملائكة بأنهم إناثٌ لا بُدَّ أنْ يكون قد شهد خَلْقكم ، والله يقول : { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ } [ الزخرف : 19 ] . وقال في سورة الكهف : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [ الكهف : 51 ] الحق سبحانه يخبرنا بهذه الحقيقة { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [ الكهف : 51 ] يعني : معاونين ومساعدين في عملية الخَلْقِ ، فهو يفضح هؤلاء الذين سيأتون ويتحدّثون في مسألة الخلق كأنهم رأوْهَا ، فيقولون : الملائكة إناث . ويقولون : الإنسان أصله قرد إلى آخر هذه الادعاءات . الحق يُحذِّرنا منهم ليعطينا المناعة اللازمة لمواجهتهم ، ويكفي أنْ نعلم أنّ هذه مسألة غيبية لا عِلْمَ لهم بها ، إلا ما أخبرنا به الخالق سبحانه ، ومع ذلك ترك لنا في الكون ما يُبيِّن صِدْقه فيما لم نشهد . والحق سبحانه ينقض هذه الأباطيل بقوله سبحانه : { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الذاريات : 49 ] . فكل جنس من الأجناس قائم بذاته ، وليس هناك شيء متطور عن شيء آخر . كذلك قال سبحانه : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } [ يس : 36 ] . أما الملائكة فَلَهُمْ طبيعة خاصة لا تصلح للزوجية لأنهم لا يتصفون بذكورة ولا أنوثة ، كما أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون … إلخ وإنْ كانت هذه مسألة مخالفة للعقل ، فخُذْها هي الأخرى ضمن الأشياء المخالفة للعقل ، والتي يختبر بها إيمانك بالمغيَّبات التي أخبرك بها ربُّكَ ، وهذه المغيَّبات التي أخبرك بها ربُّكَ ، وهذه المغيَّبات التي أخبرك الله بها رصيدها أنك آمنتَ بالقائل المخْبِر بها . ثم ينتقل الحق سبحانه إلى قضية أخرى فيقول : { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الصافات : 151 - 152 ] إذن : فجُرْأتهم على الله لم تَنْتَهِ عند حدِّ وصفهم الملائكة بأنهم إناث ، ولا عند نسبتهم البنات لله تعالى ، بل وصلتْ جُرْأتهم إلى ذات الله سبحانه ، فقالوا : { وَلَدَ ٱللَّهُ } [ الصافات : 152 ] . وكأن الحق سبحانه يُفسح للمكابر ويُرْخِي له العنان حتى يقول كلمة تكشف كذبه ، وتفضح ادعاءه ، وتُظهر أن المكابر في أمر الدين أحمقُ غبيٌّ ، لأنهم قالوا { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [ البقرة : 116 ] والآن يقولون وَلَدَ اَللهُ وفَرْق كبير بين القولين : وَلَدَ اللهُ نسبوا لله الولد مباشرة إنما اتّخَذَ اللهُ وَلَداً يعني : لم يلد إنما تبنَّى ولداً ، فالأصل أنه ليس له ولد ، لذلك اتخذ ولداً . وقد ردَّ الله على قولهم وَلَدَ اللهُ فقال : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 - 4 ] . وردَّ على قولهم : { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [ البقرة : 116 ] فقال : { مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } [ الجن : 3 ] . ولنبحث نحن مسألة اتخاذ الولد من خلال واقعنا : لماذا نسعى للولد ونطلبه ؟ لماذا نحزن نحن حين يمتنع الإنجاب ونقلق حين يتأخر الولد ؟ قالوا : لأن الولد ذِكْرى وامتداد لأبيه لذلك يفرح الرجل بابنه ويفرح أكثر بحفيده لأنه بالولد ضمن ذكْراه جيلاً ، وبالحفيد ضمن ذِكْراه جيلين ، عجيب أمْرُنا مع الدنيا ، كيف نتمحك فيها ونتشبَّثَ بها ولو بالذكرى ، وإذا لم تَدُمْ لك الدنيا فما انتفاعُك بدُنْيا غيرك ؟ ولما تحدَّثَ شوقي - رحمه الله - في هذه المسألة لما جاءه حفيد وفرح به قال : @ فَاضْمَنْ لنفْسِكَ بَعْدَ مَوْتِكَ ذِكْرهَا فَالذِّكْرُ للإنْسَانِ عُمر ثَانِ @@ ولا شَكَّ أن شوقي لا يعني بالذكْر الولد ، إنما يعني العمل الصالح والأثر الطيب الذي يُخلِّد ذِكْرى صاحبه ، إذن : تحتاج الولد لأنك ستموت وسيحمل ولدُك اسمك وذِكْراك ، أما الحق سبحانه فباقٍ لا يموت ، وقد كان عبد المطلب لا يعيش له أولاد فنذرَ لله إذا رزقه أولاداً أنْ يذْبح واحداً منهم تقرُّباً لله تعالى ، فالإنسان يحتاج الأولاد ليكونوا عِزْوةً كما يقولون ، وآخر يقول إذا مِتُّ ، مَنْ يأخذ فيَّ العزاء ؟ سبحان الله إذن ضمنتَ أنك ستُعزي وولدك من بعدك سيُعزَّى . إذن : المسألة فانٍ في فانٍ . نعم ، لهذه الأسباب نحتاج نحن الولد ونسعى إليه ، أما الحق سبحانه فباقٍ لا يموت ، فبماذا ينفعه الولد ولم يتخذه ، وله سبحانه مُلْك السماوات والأرض ؟ لذلك يردُّ الحق عليهم : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } [ الزمر : 4 ] لو أراد سبحانه لاختار ما يشاء ، فهو الذي يقول ، وهو الذي يختار لا أنتم لذلك كان رسول الله مؤدباً في عبوديته مع ربه ، فقال : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] يعني : إنْ كان للرحمن ولد أخبر هو سبحانه به ، فأنا أول المؤمنين بوجوده . وفي موضع آخر ، قال في الردِّ عليهم : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ مريم : 92 ] فالحق سبحانه لم يتخذ ولداً ، ولا ينبغي له ذلك ، ولا يناسبه أبداً ، لأن معنى الوالدية أو المولودية مفقود في حقِّه تعالى ، لأنه باقٍ لا يموت ، فيحتاج إلى مَنْ يحمل ذِكْراه ، وهو الغني عن خَلْقه ، وله مُلْك السماوات والأرض ، والعباد كلهم صَنْعته وعياله ، فلا يحتاج إلى عِزْوة كما تحتاجون . وقال سبحانه : { مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } [ الجن : 3 ] يعني : لم يكُنْ له صاحبة . يعني : زوجة حتى يكونَ له منها ولد . إذن : هذا كله إفْكٌ وافتراء على الله لذلك وصفهم الله بالإفْك ، ثم بالكذب المؤكَّد في { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الصافات : 151 - 152 ] . لكن ، لماذا هذا الإفْك وهذا الكذب ؟ قالوا : ليحتفظوا لأنفسهم بالسلطة الزمنية التي كانت لهم قبل الإسلام ، السلطة الزمنية التي جعلتْ لهم الزعامة والرياسة والجاه ، ومعلوم أن اليهودَ في المدينة كانت لهم مكانتهم المالية والعلمية والحربية ، وكانوا يستفتحون على الكافرين برسول الله { فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ } [ البقرة : 89 ] لماذا ؟ لأنهم يعرفون أنه سيسلب منهم هذه السلطة . وسمَّى الله كذبهم إفكاً ، لأن الإفك هو الكذب المتعمَّد ، وافتراء الكذب المتعمد إنما كان إفكاً لأنه يقلب الحقائق ، ومن ذلك سُمِّيتْ المؤتفكة ، وهي القرية التي قلبها الله بأهلها ، فجعل عاليها سافلها . والكذب المتعمَّد قَلْبٌ للحقيقة لأن الإنسان إذا قال قضية ، هذه القضية تُسمَّى نسبة كلامية ، فإنْ سبقها نسبة وجودية تُطابق الكلام فالكلام صِدْق ، وإنْ كانت النسبة لكلام لا واقع له فهي كذب ، والكذب على درجات ، أعلاها وأشدها الافتراء على الله تعالى في قضية واضحة ، وفي أصل من أصول العقيدة ، فليس الكذب هنا في أمر هيِّن ، عدة جنيهات مثلاً ، بل الكذب هنا في القمة العقدية . { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ } [ الصافات : 151 - 152 ] فنسبوا لله تعالى الولد مباشرة ، وليس مجرد اتخاذ الولد . لذلك يحكم الله عليهم { وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الصافات : 152 ] لكن هذا أسلوب خبري ، والخبر من الله تعالى صادقٌ لا شكَّ ، لكنه في العقل قضية تحتمل الصدق والكذب ، لذلك يُطوِّقهم الله بأسلوب آخر لا يجدون منه منفذاً ، يثبت كلامهم في أذهان قارئيه أو سامعيه ، يُطوِّقهم بهذا الإقرار ، فيقول سبحانه : { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ … } .