Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 71-74)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الصافات : 71 ] يعني : ليس هؤلاء بدعاً في الضلال ، فقد ضَلَّ قبلهم كثيرون ممَّنْ سبقوهم ، وهذا يعني أن قِلَّة آمنتْ ، والكثرة ضَلَّتْ { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } [ الصافات : 72 ] يعني : لم نتركهم على غفلتهم ، بل أرسلنا إليهم الرسل تنذرهم وتحذرهم . وقلنا : إن في ذات النفس البشرية مناعات ذاتية ، تعصم صاحبها من المعصية ومن الزَّلل ، حتى لو كان منفرداً عن الناس ، فإنْ ضعُفَتْ عنده هذه المناعة فخالف منهج الله تلومه النفس اللوَّامة الأوَّابة ، فتؤنبه حتى يتوب ويرجع ، فإنْ ألفَ المعصية وضعُفَتْ عنده النفس اللوَّامة ، ولم يَعُد له رادع من ذات نفسه رَدَعَه المجتمعُ الآمر بالمعروف ، الناهي عن المنكر ، المجتمع الناصح الذي يقيم بين أفراده قوله تعالى : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 3 ] . وفَرْق بين : وصُّوا وتواصَوْا ، تواصَوْا يعني : يُوصِي بعضكم بعضاً ، ففيها تفاعل بين أفراد المجتمع لأن المجتمعَ حتى المؤمن المتدين يتفاوتُ الناسُ فيه من حيث الاستقامة وتطبيق المنهج ، ولا بُدَّ أنْ يُوجَد في المجتمع مَنْ يضعُف فيشذّ ، أو تصيبه غفلة ، فيجد مَنْ يُردعه ، ويجد مَنْ يُذكِّره حتى يعودَ إلى الجادة . فإذا فُقِد الرادع من المجتمع ، وعَمَّ الفساد المجتمع قلنا : تدخلتْ السماء برسول جديد ومنهج جديد . نحن نعرف أن الرسول يأتي بشيراً ونذيراً . لكن الحق سبحانه هنا خَصَّ الإنذار { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } [ الصافات : 72 ] لماذا ؟ قالوا : لأن دَرْءَ المفسدة مُقدَّم على جَلْب المنفعة ، وقلنا لتوضيح هذه المسألة : لو أن شخصاً يرمي لك تفاحة مثلاً ، وآخر يرميك بحجر لا شكَّ أنك ستدفع الحجرَ عن نفسك أولاً . وقوله : { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } [ الصافات : 73 ] يعني : تأمل نتيجة الإنذار ، فرسل الله أنذروا الجميع ، لكن هل انتفع الجميعُ بالإنذار ؟ لا بل منهم مَن انتفع به ، ومنهم مَنْ أعرض عنه ، لذلك جاء الحق سبحانه بعدها بهذا الاستثناء : { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ الصافات : 74 ] أي : الذين أخلصهم واصطفاهم لعبادته وطاعته ، وهم الذين انتفعوا بالإنذار . وبعد أنْ تكلَّم الحق سبحانه عن موكب الرسل إجمالاً ، فقال : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } [ الصافات : 72 ] أراد سبحانه أنْ يتكلَّم عنهم ببعض التفصيل ، فقال سبحانه : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ … } .