Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 99-101)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لَمَّا لم يجد إبراهيم - عليه السلام - فائدة من دعوته لقومه ، قال : { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الصافات : 99 ] والمعنى ذاهب لنصرة دينه وإلا فربُّه موجود معه ، وفي كل مكان ، أو مهاجر إلى ربي . أي : إلى مكان آخر ، حيث أجد مَنْ يسمعني ويستجيب لدعوتي ، وما دُمْتُ ذاهباً إلى ربي { سَيَهْدِينِ } [ الصافات : 99 ] أي : يهديني المقام الطيب المناسب لدعوتي . ثم يدعو إبراهيمُ ربَّه { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الصافات : 100 ] أي : هَبْ لي ذريةً صالحةً مؤمنة ، ونبيُّ الله حين يتمنى الذرية لا يتمناها لتكون ذِكْرى أو عزوة أو امتداداً ينتقل إليه الميراث ، فالأنبياء يريدون الولد ليَحمل رسالتهم ، وليكون نموذجاً إيمانياً يرثه في دعوته لذلك قال في قصة سيدنا زكريا : { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } [ مريم : 6 ] . فكأن سيدنا إبراهيم عَزَّ عليه ألاَّ يتسعَ عمره ليكون جندياً من جنود منهج الله في الأرض ، فقال : يا رب قرّ عيني بأنْ أرى ولداً لي يحمل مسئولية النبوة من بعدي . وقال { رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الصافات : 100 ] ولم يقل رب هَبْ لي الصالحين ، فأراد من ذريته مَنْ هو صالح من ضمن صلاح غيره ، فهو يريد الصلاحَ لذريته وللآخرين لذلك أجابه ربه : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } [ الصافات : 101 ] الحليم : هو الذي لا يستفزه غضب ، ويتحمل الأمور على مقدار ما تطيب به أخلاقه ، ومن الحِلْم تَرْكُ المراء واللجاج ، ولو كان في الحق . لذلك جاء في حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ، وإن كان محقاً … " . فهذا في حاشية الجنة ، وهذا في صميم الجنة ، لماذا ؟ لأنه يعتقد أن له رباً قيُّوماً لا تأخذه سِنَة ولا نوم ، سوف يحكم بين الجميع ، وإليه تنتهي كل الخلافات ، فيقتص للمظلوم من ظالمه . والناس يميلون دائماً إلى كبير يحكم بينهم ، ونقول في العامية اللي له أب ميحملش هم ، فما بالك بمَنْ له رَبٌّ . لذلك من رحمة الله بنا أن يقول : يا عبادي ناموا مِلء جفونكم ، لتصبحوا نشيطين لأعمالكم ، ولا تحملوا هَمَّ شيء ، لأن ربكم لا ينام . وقوله سبحانه : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ } [ الصافات : 101 ] البُشْرى بالشيء تكون قبل وجوده ، فوصفه الله بأنه سيكون حليماً وهو ما يزال غلاماً . يعني : سيجمع الوصفين معاً لأن الحِلْم عادة ما يتكوَّن لدى الرجل الواعي الذي يستطيع تقدير الأمور ، فالميزة هنا أن يتصفَ الغلامُ بالحِلْم في صغَره . وفعلاً ظهر حِلْم هذا الغلام في أول اختبار يتعرَّض له ، حين قال له أبوه : { يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ } [ الصافات : 102 ] تأمل ماذا قال الغلام ، وأبوه يريد أنْ يذبحه ، { قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الصافات : 102 ] هذا هو الحِلْم ، يتجلَّى منه وهو غلام .