Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 67-70)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى نَبأ هو الخبر الهام الذي وراءه حقائق لا يُكذِّبها الواقع . وقال في سورة النبأ : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } [ النبأ : 1 - 2 ] ووصف بأنه عظيم لأنه سيترتب عليه أمران يتعلقان بالدنيا والآخرة . فإنْ كنتَ أخذت حظك في اتباع شهواتك في الدنيا ، والدنيا لها نهاية ، فستصْلَى في الآخرة ناراً لا نهاية لها . وكان عليك أنْ تتنبه لهذه المسألة لأن الإنسان لا بُدَّ له أنْ يحدد غايته في الوجود ، والغاية الحقيقية هي التي ليس بعدها بَعْد ، أما الغاية التي بعدها بَعْد فليست بغاية ، بل هي مرحلة تؤدي إلى ما بعدها ، كالتلميذ ينجح في القبول مثلاً ، فيؤدي به النجاح إلى الإعدادية ، والنجاح في الإعدادية يؤدي به إلى الثانوية ، والثانوية إلى الجامعة . وهكذا حتى لو أخذ الدكتوراه فإنه ينتقل إلى ما بعدها من مراحل ثم الموت ، حتى الموت ليس هو نهايةَ المطاف إنما بعده ، إما إلى نار وإما إلى جنة ، وهذه هي الغاية التي ليس بعدها بعد ، لأنها باقية خالدة لا نهاية لها . لذلك الحق سبحانه يُنبهنا إلى هذه الغاية قل يا محمد { هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ ص : 67 - 68 ] . وكلمة مُعرِض يعني : منصرف هي التي نقول عنها : فلان أعطاني عرض أكتافه يعني : مال عني وانصرف ، وهذه الكلمة تمثيل لواقع الناس حين يُدْعَوْنَ للإنفاق ، وحين يُدْعَوْنَ لعمل الخير ، فمنهم مَنْ يُعرض عنه ، ويكون الإعراض على مراحل أولاً يميل عنك بوجهه ويلوي رقبته ، ثم يعطيك جنبه ، ثم يبالغ فيدير لك ظهره . وقد صور لنا القرآن هذا المشهد ، فقال سبحانه في وصف عاقبة الإعراض عن الإنفاق في سبيل الله : { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ … } [ التوبة : 34 - 35 ] . هكذا يكون الجزاء من جنس العمل ، وبنفس ترتيب الإعراض في الدنيا ، يكون الكي في الآخرة { هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [ التوبة : 35 ] . إذن : الأعضاء التي اشتركتْ في الإعراض هي التي ستُكْوى ، وعلى قَدْر الإعراض يتسع الكَيِّ . ثم أراد الحق سبحانه أنْ يُدلل على أن محمداً لا يعلم الغيب ، فقال : { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ ص : 69 ] لأنه سبحانه سبق أنْ تكلم عن تَخَاصُم أهل النار ، فقال : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } [ ص : 64 ] وقد أوضح سبحانه تخاصم الملأ الأعلى من الملائكة في المبدأ ، حين قالوا للحق سبحانه : { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ … } [ البقرة : 30 ] هذا هو خصامهم ، لا أنهم يتخاصمون كما يتخاصم البشر لأن الله قال عنهم : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 26 - 27 ] . إنما سمَّى الحوار الذي دار بينه سبحانه وبين الملائكة تخاصم ، فكأنهم يغارون على الله أنْ يخلق خَلْقاً آخر هم البشر يعصونه ويفسدون في الأرض ، كما أفسدتْ الجنُّ من قبل . ثم يُبيِّن سبحانه أن محمداً لا يعلم الغيب ، إنما يخبره اللهُ به وَحْياً : { إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ ص : 70 ] فالذي أعلمني بما سبق يعلمني بما هو آتٍ ، وهذا تَرقٍّ في علم الغيب . والغيب له ستار يحجبه عنا ستار يحجب الماضي وستار يحجب المستقبل ، يحجب الماضي الزمن لأن الزمن القديم مثلاً لم يكن فيه تدوين لأحداثه ، ولو كان فيه تدوين فهو تدوين مزيف ، لأنه رأْى البشر فيما حدث ، وآراء البشر لا بُدَّ أن تختلف . كذلك يحجب المستقبل زمنَ المستقبل ، فأنت لا تعلم ما سيحدث مستقبلاً ، أما الحاضر الذي نعيشه فزمنه واحد لكن مكانه مختلف ، فحجابه المكان ، فأنت تعلم الآن ما يحدث في مكانك ، لكنك لا تعلم ما يحدث في الأماكن الأخرى . فالمعنى أن الذي أخبرني أولاً بأن الملائكة قالت كذا وكذا هو الذي أخبرني بتخاصم أهل النار ، إذن : فهو حق . وقال هنا أيضاً { نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ ص : 70 ] أي : واضح ، لأن الحديث ليس للمؤمنين أهل البشارة ، إنما للمخالفين فناسبهم { أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ ص : 70 ] .