Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 51-51)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } [ الزمر : 51 ] أي : السابقون الذين قالوا هذه الكلمة من قبل ، أصابهم ونزل بهم ما كسبوا من السيئات ، يعني : هم فعلوه بأنفسهم ، وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون { وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ } [ الزمر : 51 ] أي : المعاصرين { سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } [ الزمر : 51 ] . والمعجز هو الذي يعمل عملاً يتحداك به ، وتعجز أنت عن الإتيان بمثله لذلك نسمي آية صدق الرسل في البلاغ عن الله معجزةً ، لأنها أعجزتْ المكابر المكذِّب ، أما الذي آمن بمجرد البلاغ وصدَّق به فلا يحتاج إلى معجزة ، والمعجزة يُشترط لها أن تكون مقرونة بالتحدي ، لماذا ؟ قالوا : لأنك حين تتحدَّاه وتخبره أنك ستعمل عملاً لا يقدر هو عليه فإنك بذلك تشحن مواهبه ليستعدَّ للمواجهة ، وعندها تستطيع أن تقيم عليه الحجة ، أما إنْ فاجأته بالتحدي فله أنْ يقول لك : والله لو فكرت في المسألة ، أو لو كانت في بالي لفعلتُ . إذن : معجز يعني يصيب الغير بالعجز عن مجاراته . وقلنا في المعجزة : إنها ينبغي أن تكون من جنس ما نبغ فيه القومُ ، ومناسبة للعصر الذي نتحدى فيه ، لأنك لو تحديتَ قوماً بشيء لا علمَ لهم به ولا دُرْبة لكان لهم أنْ يقولوا : لو كنا نعلم هذا لفعلناه ، وإلا لما كان للتحدي موضع . وقد أعطانا القرآن الكريم نموذجاً للتحدي حينما تحدّى العرب وهم أهْلُ اللغة وأرباب الفصاحة والبيان ، تحدَّاهم أنْ يأتوا بمثل هذا القرآن ، وحين نتأمل هذا التحدي نجده يتدرج تنازلياً ، وكلما تنازل في تحدّيه يعلو في إعجازه ، لأنه لأول ما تحدَّاهم تحدَّاهم بمثل هذا القرآن ، ثم بعشر سور ، ثم بسورة واحدة من مثله . ليس هذا وفقط ، إنما يُخرِج التحدي من الإنس إلى الجن لأن العرب وإنْ كانوا أمة كلام وفصاحة إلا أنهم نسبوا للجن قدرةً أعلى على الفصاحة والبلاغة ، بدليل أنهم إذا نبغ منهم شاعر وأجاد قالوا : إن الجن يُوحى إليه بهذه المعاني ، واعتقدوا أن هذا الجن يسكن وادي عبقر كما يقولون . لذلك أخرج القرآن التحدِّي من دائرة الإنس إلى دائرة الجن ، فقال سبحانه : { قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [ الإسراء : 88 ] أي : معيناً ومساعداً . لذلك كانت معجزة سيدنا موسى عليه السلام نوعاً من السحر ، لأن قومه نبغوا فيه ، وكانت معجزة سيدنا عيسى أنْ يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ، لأن قومه نبغوا في الطب . وكلمة { وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } [ الزمر : 51 ] أي : في الهرب والإفلات من العقوبة ، لأنهم فعلوا أشياء تستحق العقوبة ، فإذا أخذناهم للعقاب فلن يُعجزونا . يعني : لن يفلتوا منا لأن المسألة بالنسبة لنا قد يكون غريمك في يدك وفي نفس مكانك ، وقد يهرب منك إلى مكان آخر ، لكن بالنسبة للحق سبحانه فهو في كل مكان ، وإلا فدلَّني على مكان ليس فيه الله سبحانه وتعالى ، إذن : كيف الهرب ؟ وإلى أين ؟ ! فإنْ تواجدتم معه فلن يعجز عنكم ، وإنْ هربتم فلن يعجز عن الإتيان بكم .