Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تحدثنا هذه الآية عن نوع آخر من الشرك ، فهؤلاء لم يعبدوا الأصنام ولا الشمس ولا القمر ، إنما اتخذوا أشياء أخرى يروْنَ بينها وبين الله تعالى صلة ، كما نقول من ريحته ، ورأوا أن ذلك أخفّ وأهون من عبادة الأصنام ، هؤلاء كالذين قالوا عزير ابن الله ، والذين قالوا المسيح ابن الله ، أو الملائكة بنات الله … الخ فردّ الله عليهم : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } [ الزمر : 4 ] يعني : هذه مسألة لا دَخْلَ لكم فيها ولا اختيار ، لا تختاروا أنتم لله ولداً لأن الله تعالى لو أراد ذلك - على فرض - لاختار من خَلْقه ما يشاء هو ، لا ما تختارون أنتم . لذلك خاطب الحق سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : { قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } [ الزخرف : 81 ] أي : من اختياره ويخبر هو به { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [ الزخرف : 81 ] يعني : أول المصدِّقين المؤمنين به ، فهو على العين والرأس ، إنما هذا أمر لم يخبر الله به ، وإنما نفاه عن نفسه سبحانه . وقد ورد في الحديث : " الخَلْق كلهم عيال الله ، فأحبُّهم إليه أرأفهم بعياله " إذن : فالبنوة ليست لله تعالى ، وحتى في بنوة الرسل لم يجعلها الله بنوةَ دم ، ولا بنوةَ أبدان ، إنما بنوة أديان ، وأوضح مثال على ذلك سيدنا نوح - عليه السلام - وولده . لما أبَى الولد وعصى أمر أبيه أيقَن الوالد أنه من الهالكين ، فدعا الله : { فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } [ هود : 45 ] لكن عدل الله له معنى البنوة ، فقال سبحانه : { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [ هود : 46 ] فسيدنا نوح ظن أن البنوة بنوة نسب ، لكن بنوة الأنبياء بنوة اتباع . والحرف لو في { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ الزمر : 4 ] حرف امتناع لامتناع ، وهو من أدوات الشرط يفيد امتناعَ وقوع الجواب لامتناع وقوع الشرط ، فالحق سبحانه لم يتخذ ولداً لأنه لم يُردْ ذلك ، ولو أراده لكانَ ما يريد . وفي موضع آخر ، يناقش الحق سبحانه أصحاب هذا الافتراء ، يقول لهم بالمنطق { أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ } [ الأنعام : 101 ] . ثم لماذا يُتخذ الولد ؟ يتخذ الولد ليكون عزوةً لأبيه أو امتداداً له بعد موته ، والحق - تبارك وتعالى - هو الغني العزيز عن خَلْقه ، وهو الدائم الباقي فلماذا يُتخذ الولد ؟ والذين نَسبوا لله تعالى الولدَ في العصور المتأخرة من الديانات ، كالذين قالوا : المسيح ابن الله ، فهل كان الله تعالى منذ خلق هذا الكون بلا ولد إلى أنْ جاء عيسى فاتخذه الله ولداً . وبعد أنْ أخذ عيسى من الوجود أظلَّ الله تعالى هكذا غلبان مقطوع من شجرة بلا ولد ؟ كيف يستقيم لكم هذا الادعاء ؟ إنها مسألة لا تصح أبداً في حق الله تعالى ، فالله لا يحتاج إلى عزوة ، ولا يحتاج لمعونة الولد ، لأن الله تعالى خلق الخَلْق كله من ألفه إلى يائه ، خلقه بكامل قدرته ، وبصفات الكمال فيه ، فلم يزده الخَلْق شيئاً ولا صفة لم تكُنْ له من قبل . لذلك يقول بعض أهل الشطح في هذه الآية : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } [ الزمر : 4 ] يقول : لو كان للرحمن ولد كنتُ أنا أَوْلَى أنْ أكونَ ولده لأنني أول العابدين . ثم يُذيِّل الحق سبحانه هذه الآية بما يُنزِّه الله عن هذا الافتراء : { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ } [ الزمر : 4 ] يعني : سبِّحه ونزِّهه عن هذه المسألة ، فإنها لا تليق به سبحانه ، ونزهه أنْ يشابه شيئاً من خلقه ، حتى لو وقفت أمام مسألة لا يدركها عقلك قُلْ سبحان الله كما قال الله : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } [ يس : 36 ] . وقال : { فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ الروم : 17 ] . وقال : { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } [ الإسراء : 1 ] . فالحق سبحانه في مثل هذه المواقف يُعلِّمنا أنْ نُنزِّه الله ، لأن العقل سيقف أمام هذه الأحداث حائراً ، لكن الحدث هنا منسوب إلى الله فلا عجبَ إذن ، لأن زمنَ الحدث يتناسب مع القوة الفاعلة تناسباً عكسياً ، فكلما زادتْ القوة قَلَّ الزمن ، فإذا نسبتَ الفعل إلى قوة القوى تجد لا زمن . إذن : نزّهوا الله عن اتخاذ الولد لأنه { هُوَ ٱللَّهُ } [ الزمر : 4 ] الذي له كُلُّ صفات الكمال { الوَاحدُ } الذي ليس معه غيره { القَهَّارُ } أي : الذي لا يحتاج إلى عزْوة ، ولا يحتاج إلى مُعين .