Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 67-67)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [ الزمر : 67 ] يعني : ما قدروه وما عظَّموه التعظيم المناسب له سبحانه ، يعني : ما عرفوا لله قيمته ، ولذلك أشركوا به ، والشرك في حَدِّ ذاته عدم تقدير الله حَقَّ قدره . وقد فعلوا ذلك والحال أن { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [ الزمر : 67 ] إذن : كيف يحدث منكم ذلك ؟ أغفلتم عن هذه الحقيقة ؟ إنكم سوف تروْنَ عاقبة فعلكم في الآخرة . ومعنى { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [ الزمر : 67 ] نقول : هذا الأمر في يدي يعني : أنا مُتمكن منه تمكُّناً بحيث لا يفلت منِّي ، وليس من الضروري بالنسبة لله تعالى أن يكون في المسألة قبضة أو يد ، فهنا كناية عن القوة والتمكُّن ، كما نقول مثلاً قبضنا على المجرم يعني : أصبح في حوزتنا ولم يَعُدْ مطلق السراح في الحياة يفعل ما يشاء . وسبق أنْ قلنا : إذا ذُكر للحق سبحانه وصفٌ له مثيل في عباده فخُذْه في إطار { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] ومن ذلك صفة السمع والبصر واليد والعلم … إلخ . وكلمة { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً } [ الزمر : 67 ] أي : أرضنا التي نعيش عليها وأمثالها من الأراضين لأن الحق سبحانه قال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } [ الطلاق : 12 ] هذا كله في مجموعتنا الشمسية ، فما بالك بباقي المجموعات والمجرَّات التي تحوي الملايين مثل أرضنا : { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } [ الشورى : 29 ] . وقوله : { وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } [ الزمر : 67 ] يطويها بقدرته تعالى ، واليمين عندنا هي الفاعلة في الأشياء وهي مصدر القوة لذلك قال سبحانه : { قَالُوۤاْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 28 ] أي من جهة القوة ، وفي موضع آخر قال الحق سبحانه وتعالى : { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } [ الأنبياء : 104 ] . لكن أيّ أرض نعني في قوله تعالى : { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [ الزمر : 67 ] قالوا : هي أرض غير الأرض التي نعرفها ، لأن الأرض ستُبدل في الآخرة ، كما قال تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } [ إبراهيم : 48 ] لأن أرض الدنيا أرضُ أسباب ، نعيش عليها ونأكل من ثمرها ونزاول فيها حياتنا ، أما في الآخرة فالحياة فيها بالمسبِّب سبحانه . أرض الآخرة لا زرعَ فيها ولا حرثَ ولا حصادَ ، إنما تأكل وتشرب بمجرد إرادة الأكل أو الشرب ، فما يخطر على بالك تجده بين يديْكَ لا بأسباب ، إنما بقدرة المسبِّب سبحانه ، كذلك السماء في الدنيا سماء أسباب ينزل منها المطر وتشرق فيها الشمس ، ويُنوِّرها القمر ، أما في الآخرة فلا شيء من ذلك لا مطرَ ولا شمسَ ولا قمر ، إنما تُنوِّر الأرض بنور ربها . وقوله تعالى في ختام هذه الآية { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الزمر : 67 ] أمر بأن نقول سبحان الله ، وأنْ ننزِّهه تعالى عن مشابهة خَلْقه في مسألة القبضة وفي طَيِّ السماء ، لأنه ليس كالطَّيِّ الذي نعرفه نحن ، إنما ينبغي أن نأخذ هذه الصفات في إطار { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] فنزه الله عما يقوله المشركون .