Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 69-70)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذه الآية تنقلنا إلى عالم آخر ، إلى الآخرة حيث تُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات ، كنا في الدنيا نعيش على الأرض بنور الشمس نقول : أشرقت الشمس أما وقد انتقلنا إلى الآخرة فالأرض هي نفسها تشرق ، { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا … } [ الزمر : 69 ] وكأن النور شيء ذاتي فيها ، فليس هناك شمس تشرق عليها إنما هي التي تشرق بذاتها . ولم لا ؟ وأنت الآن في عالم فيه ما لا عينٌ رأتْ ، ولا أذنٌ سمعتْ ، ولا خطر على قلب بشر ، وقال تعالى : { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } [ الإنسان : 13 ] لأن الدنيا كانت بالأسباب ، فالشمس تشرق لتنير الأرض بالنهار والقمر بالليل ، أما في الآخرة فلا نعيش بالأسباب ، إنما بالمسبِّب سبحانه حيث كل شيء فيها يكون بلا علاج ، فلسنا - إذن - في حاجة إلى زراعة الأرض ، ولا إلى الشمس تنير النهار ، ولا إلى القمر ينير الليل . وكما تُبدَّل الأرض غير الأرض ، والسماوات غير السماوات ، كذلك أنتم تُبدَّلون على هيئة أخرى تناسب الآخرة ، فستأكلون ولا تتغوطون ، وتعيشون ولا تهرمون . وحين تشرق الأرضُ بنور ربها تراها مشرقةً دون أنْ ترى مصدر هذا الإشراق ، وهذا ما رأينا شيئاً منه في الدنيا ، ففي طرق الإضاءة الحديثة توضع الأنوار في أماكن تخفي مصدر الضوء فيأتي النور غير مباشر فلا يؤذي العين ، كما يأتيك ضوء الشمس فينير لك الغرفة في حين لا ترى شعاع الشمس المباشر . وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً لتنويره للسماء والأرض ، وذلك في سورة النور ، حيث قال سبحانه : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } [ النور : 35 ] أي : مُنوِّرهما ، ولما أراد سبحانه أن يعطينا مثلاً لذلك أتى بمثل من المشاهد لنا المرئي الذي ندركه فقال : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ … } [ النور : 35 ] أي : كيفية تنويره وأثر نوره سبحانه حتى لا نظن أن هذا المثل يوضح لنا نور الله ، لا بل يوضح كيفية تنويره لخلقه وإلا فنوره تعالى لا نعرفه ولا ندرك كُنْهه . والمشكاة هي الطاقة غير النافذة في الجدار يسمونها كُوَّة ، وتوجد حتى الآن في المباني القديمة الفطرية ، وهذه المشكاة هي التي يوضع فيها المصباح ، وليست هي المصباح كما يظن السطحيون ويستعملونها بهذا المعنى . وميزة المشكاة أنها غير نافذة ومحدودة المساحة ، بحيث تجمع ضوء المصباح فلا يتبدد إنما يتركز لتنوير الحجرة التي توجد فيها هذه المشكاة . ثم يصف المصباح بأنه ليس مصباحاً عادياً إنما { ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ … } [ النور : 35 ] والزجاجة تنقي ضوء المصباح وتمنع عنه الهواء الزائد فلا يحدث دخان يُكدِّر صَفْو ونقاء الضوء . ثم إن هذه الزجاجة هي أيضاً غير عادية إنما { ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ … } [ النور : 35 ] والكوكب الدري هو الذي يضيء بنفسه ، وهذا يعني أن ضوء هذا المصباح مضاعف . ثم إن الزيت الذي يُوقد به المصباح ليس زيتاً عادياً إنما زيت مأخوذ من شجرة معتدلة المزاج { يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ … } [ النور : 35 ] . البعض يعترض على هذا المثل ويقول : كيف يضرب الله مثلاً لنوره بمشكاة فيها مصباح ؟ قلنا : إن المثَل هنا ليس مثلاً لنور الله إنما هو مثَل لتنويره للكون ، وقد عبَّر الشاعر أبو تمام عن هذا المعنى في قوله مادحاً : @ إقْدَام عَمْرو فِي سَمَاحَةِ حَاتِم فِي حِلْم أحْنَفَ فِي ذَكاءِ إيَاسِ @@ فاعترض عليه أحد جلساء الممدوح . وقال له : كيف تُسوِّي الأمير بأجلاف العرب ، الأمير فوق مَنْ وصفت ، فردَّ أبو تمام بعد أنْ أطرق هنيهة : @ لاَ تُنْكِروا ضَرْبِي لَهُ مَنْ دُونَهُ مثلاً شَرُودًا فِي النَّدَى وَالبَاسِ فَاللهُ قَدْ ضَربَ الأقلَّ لِنورِهِ مَثلاً مِنَ المشْكاة وَالنِّبْراسِ @@ هكذا يُنوِّر الله للخَلْق النور الحسيّ الذي يصون مادتهم ، ويحفظ سلامة حركتهم في الحياة ، لأن الإنسان إنْ سار على غير هدى اصطدم بالأشياء من حوله ، والصدام يعني أن يحطم القويُّ الضعيفَ ، لذلك نحرص على وجود ضوء خافت وناسة مثلاً بالليل لتحمي حركتنا من الصدام . فإذا كان الخالق سبحانه جعل لنا النور الحسيَّ لحماية مادتنا من أن تحطم أو تتحطم ، فلا بدَّ أنْ يجعل لنا نوراً معنوياً يحمي فينا القيم ، فلا نحطم بظلم ، ولا نحطم باضطهاد ، وهذا هو نور الوحي والشرع الذي تحيا به القلوب ، وينظم حركتنا المعنوية في رحلة الحياة . وكما بيَّن لنا الحق سبحانه النور الحسِّي بيَّن لنا النور المعنوي فقال خذوه من بيوت الله ، فقال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } [ النور : 36 - 37 ] . إذن : خُذ النور المعنوي من بيوت الله ففيها تلتقي بالله تعالى ، فهذا اللقاء يضفي عليك نوراً من نور الله يملأ قلبك ويهدي جوارحك ويصلحك ، وبيَّن سبحانه أن نور القيم أعلى من نور المادة ، بدليل أن الإنسان حين يكون مكفوف البصر يمكنه أن يمشي وأنْ يزاول أعماله في الدنيا ، أما فاقد النور المعنوي ، أو أعمى البصيرة كما يقولون فلا يمكن أبداً أنْ يُوفَّق في حركته للصواب لذلك قال تعالى في ختام آية : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ … } [ النور : 35 ] قال : { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ … } [ النور : 35 ] . وبعد أنْ أشرقت الأرضُ بنور ربها { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ … } [ الزمر : 69 ] وفي موضع آخر جاء تفصيل وشرح ذلك ، فقال سبحانه : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] . هكذا فصّل الحق سبحانه ما أجمل في { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ … } [ الزمر : 69 ] ومعلوم أن آيات القرآن الكريم تفسر بعضها بعضاً ، والكتاب هنا كتاب خاص بكل إنسان على حدة ، كما قال سبحانه : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً } [ الإسراء : 13 - 14 ] . وهذا الكتاب الذي يُحصي عليك أعمالك كتاب صدق ، لأن كاتبه مَلَك موكَّل بك { كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار : 11 - 12 ] وقال : { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] . فهذا الكتاب ليس في علم الله فحسب لأن علم الله كلامٌ من عنده ، إنما هذا كتاب بمعنى أنه مكتوب مقروء يقرؤه صاحبه ويطلع عليه ، فيرى فيه عمله الصالح والطالح لذلك ساعةَ يراه المجرمون يرتعدون خوفاً لأنه أحصى عليهم إجرامهم ، ولم يترك منه كبيرة ولا صغيرة ، عندها لا يملكون إلا أنْ يدعوا على أنفسهم بالويل والثبور . وبعد أنْ يأخذ كلٌّ كتابه يأتي الله بالرسل { وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ … } [ الزمر : 69 ] ليشهد كل نبي أنه بلَّغ أمته ، يقول تعالى : { يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ … } [ المائدة : 109 ] . وبعد أن يشهد الرسل يشهد الشهداء وهم مَنْ حملوا العلم بعد الرسل ، كما ورد : " يحمل هذا العلمَ من كل خلف عُدُوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين " . فهؤلاء العلماء أيضاً يشهدون أنهم بلَّغوا غيرهم لذلك امتازت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعلمائها ، لأنهم امتدادٌ لرسالته صلى الله عليه وسلم ، لذلك فخيريتنا على الأمم بهذه المسألة . ويشهد أيضاً الشهداء الذين قُتِلوا في سبيل الله ، وهؤلاء يشهدون أيضاً لمكانتهم عند الله ، هذه المكانة التي نالوها بالشهادة ، ويكفي أن الشهيد يدخل المعركة وهو يعرف أنه إنْ هُزم سيقتل ، فهو يتقدم إما للنصر وإما للشهادة ، فهو يعلم أنه سيدفع حياته ثمناً ، ولولا أنه واثق كل الثقة بما وعده الله من الجزاء ما خرج . لذلك قال تعالى عن الشهداء : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ آل عمران : 169 ] . وعجيبٌ أنْ نسمع مَنْ يقول على سبيل الإنكار : يعني لو أخرجنا الشهيد من قبره سنجده حياً ؟ نقول : اقرأ الآية وتدبَّر معناها ، فالله يقول : { أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ … } [ آل عمران : 169 ] لا عندك أنت ، بدليل أنه جاء بعدها بمادة الطلب للحياة فقال : يُرْزَقُونَ ذلك لأن الشهيد لما ضحَّى بحياته ضمن له ربه حياة أخرى أفضل وأعظم وأبقى مما كان فيها في الدنيا لذلك قال الشاعر في حق سيدنا حمزة سيد الشهداء : @ أَحمْزَةَ عَمَّ المصْطَفى أنتَ سَيِّدٌ عَلَى شُهَداء الأرْضِ أجمعهم طُرَّا وحَسْبُكَ مِنْ تلْكَ الشَّهادةِ عِصْمةٌ مِنَ الموْتِ ، موصول الحياة إلى الأخرى @@ المعنى : أنك قدمتَ حياتك وضحيت بها فعُصمْتَ من الموت ، لأنك بعد أنْ متَّ صِرْتَ حياً فوصلتَ حياتك في الدنيا بحياتك في الآخرة ، وهبتَ الحياة فوُصِلتْ الحياة . والشهادة على العبد يوم القيامة لا تنتهي عند هذا الحد ، فبعد أنْ شهدت عليه الملائكة بالكتاب الذي سطّروه ، وشهد عليه الأنبياء والشهداء ننقل الشهادة إلى ذاتك أنت ، فهذا تدرّج في الشهادة من الملائكة وهم من جنس غير جنسك ، إلى الأنبياء والشهداء وهم من جنسك ، إلى جوارحك وهي قطعة منك : { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ يس : 65 ] . وقال سبحانه : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] . وقال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ فصلت : 20 - 21 ] . لكن كيف تشهد الأعضاء والجوارح على صاحبها وكانت في الدنيا هي أداة الفعل ، فاللسان هو الذي قال ، واليد هي التي بطشتْ ، والرِّجْل هي التي سعتْ … إلخ ؟ قالوا : لأن الله تعالى خلق لعبده الجوارح وسخرها لمراده ، وأمرها أنْ تطيعه فيما يريد ، فاللسان مُسخَّر لخدمة صاحبه إنْ أراد أن يقول لا إله إلا الله قالها . وإنْ أراد أنْ ينطق بكلمة الكفر نطق بها ، وهكذا بقية الجوارح . إذن : طالما الإنسان في الدنيا فالولاية على الجوارح لمراد الإنسان المخيَّر ، والجوارح تابعة لمراده ، فإذا ما بُعثنا وعُرضنا على الخالق سبحانه انحلَّتْ هذه الإرادة وسُلبت فلا إرادةَ لأحد إلا لله { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] وعندها تتحرر الأعضاء وتقف موقف الشاهد الصدق . وقوله تعالى : { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ الزمر : 69 ] أي : قضى اللهُ بين الناس وأهل المشهد وحكم بين الخلائق ، والذي يقضي هو الله . إذن : فهو قضاء بالحق لا يُظلم فيه أحدٌ ، فليس لأحد في هذا اليوم إرادة ، وليس لأحد حكم ولا هوى ، إنما الأمر كله لله إنْ شاء اقتصَّ للمظلوم من الظالم ، وإنْ شاء أرضى المظلوم وعفا عن الظالم . ثم يقول سبحانه : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } [ الزمر : 70 ] أي : يجازيها بما عملت إنْ خيراً فخير ، وإنْ شراً فشر . وهذه الآية وقف عندها المستشرقون يتهمون سياقها بعدم التناسق ، فالتناسق في نظرهم أن نقول : ووُفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يعملون . وهم يقولون ذلك لأنهم لا يدركون الفرق بين الفعل والعمل ، فالفعل مقابل القول ، فاللسان وحده له مهمة القول وباقي الجوارح تفعل ، العين ترى ، والأذن تسمع ، واليد تبطش ، والرِّجْل تسعى … إلخ . كل جارحة لها مهمة وهذه كلها أفعال ، أما العمل فيشمل القول والفعل ، كل منهما يُسمَّى عملاً ، لذلك يقول تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 2 ] . لكن لماذا خصَّ اللسان بالشطر وباقي الجوارح بالشطر الآخر ؟ قالوا : لأن القول يتم به البلاغ والتبليغ ، فاستحق أنْ يكون عمدة الجوارح . فما نتيجة هذه التوفية للأعمال ؟ نتيجة توفية الأعمال أن تنال كل نفس ما تستحقه على عملها في الدنيا ، لذلك بعد أنْ تتم التوفية ويتم الحساب يُساق أهل الإيمان إلى الجنة ، ويُساق أهل الكفر إلى النار : { وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً … } .