Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 107-107)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وسبحانه يريد أن يشبع هذه القضية بحثاً ، فقد كان يكفي أن يقول لنا ما سبق . لكنه يريد أن يحسم مثل هذه الأمور فلا مجادلة في الذين يختانون أنفسهم . والجدل كما نعرف هو الفتل . وحين يفتل الإنسان شيئاً ، مثل أن يحضر بعضاً من الشعر أو الصوف أو الليف ويجدلها ليصنع حبلاً ، فهو يفتل هذا الغزل ليقويه ويجعله غير هش وقابلاً للشد والجذب ، ولذلك يقال عن مثل هذه العملية : إننا نجدل الحبل حتى نعطيه القوة . وكذلك شأن الخصمين كل واحد منهما يريد تقوية حجته ، فيحاول جاهداً أن يقويها بما يشاء من أساليب ليّ القول ولحنه أو الفصاحة في الأسلوب . لذلك يأتي الأمر إلى الرسول : لا تقو مركز أي إنسان يختان نفسه . والقرآن حين يعدل عن يخونون أنفسهم إلى " يختانون أنفسهم " ، فلا بد أن لهذا معنى كبيراً لأن الخيانة هي أن تأخذ غير الحق . ومن المحتمل أن يخون الإنسان غيره ، لكن أَمِنَ المعقول أن يخون الإنسان نفسه ؟ إن مثل هذه العملية تحتاج إلى افتعال كبير ، فقد يخون الإنسان غيره من أجل مصلحة نفسه ، أو ليعطي نفسه شهوة ومعصية عليها عقوبة ، وهذه خيانة للنفس لأن الإنسان في مثل هذه الحالة يغفل عن العقوبة الآجلة بالشهوة العابرة العاجلة . وهكذا نرى أن الذي يخون الناس إنما يخون ضمناً مصلحة نفسه . وإذا ما خان الإنسان نفسه فهذا ليس سهلاً ويتطلب افتعالاً ، ولذلك يقول الحق : { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } . والآية التي تحدثت من قبل ذلك عن هذا الموقف لم تأت بكلمة " خوانين " ولكن جاءت بالخائنين ، وهنا يأتي الحق بكلمة خوَّان . وفيه فرق بين " خائن " ، و " خوَّان " ، فالخائن تصدر منه الخيانة مرة واحدة ، أما الخوَّان فتصدر منه الخيانة مراراً . أو يكون المعنى هو : أن الخائن تصدر منه الخيانة في أمر يسير صغير ، أما الخوّان فتصدر منه الخيانة في أمر كبير . إذن . فمرة تأتي المبالغة في تكرير الفعل ، وأخرى في تضخيم الفعل . ومن لطف الله أنه لم يقل " خائن " لأن الخائن هو من خان لمرة عابرة وانتهى الأمر ، ولم يخرجه الله عن دائرة الستر إلاَّ إذا أخذ الخيانة طبعاً وعادة وحرفة . وقد جاءت لسيدنا عمر - رضي الله عنه - امرأة أخذ ولدها بسرقة ، وأراد عمر - رضي الله عنه - أن يقيم على ذلك الولد الحد ، فبكت الأم قائلة : يا أمير المؤمنين والله ما فعل هذا إلا هذه المرة . قال عمر : كذبت . والله ما كان الله ليأخذ عبداً بأول مرة . ولذلك يقولون : إذا عرفت في رجل سيئة انكشفت وصارت واضحة . فلتعلم أن لها أخوات فالله لا يمكن أن يفضح أول سيئة لأنه سبحانه يحب أن يستر عباده ، لذلك يستر العبد مرة وثانية ، ثم يستمر العبد في السيئة فيفضحها الله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } ، والإثم أفظع المعاصي . والقوم الذين ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستشفعوا عنده لابن أبيرق لكي يحكم له الرسول ضد اليهودي ، لماذا صنعوا ذلك ؟ . لأنهم استفظعوا أن يفضح أمر مسلم ويبرأ يهودي ، استحيوا أن يحدث هذا ، وعالج القرآن هذه القضية وذلك ليأتي بالحيثية التي دعتهم إلى أن يفعلوا هذا ويقضي على مثل هذا الفعل من أساسه ، فقال : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ … } .