Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 110-110)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وسبحانه وتعالى حينما خلق الخلق جعلهم أهل أغيار لذلك لم يشأ أن يُخرج مذنباً بذنب عن دائرة قدرته ورحمته ، بل إنه - سبحانه - شرع التوبة للمذنب حماية للمجتمع من استشراء شره . فلو خرج كل من ارتكب ذنباً من رحمة الله ، فسوف يعاني المجتمع من شرور مثل هذا الإنسان ، ويصبح كل عمله نقمة مستطيرة الشر على المجتمع . إذن فالتوبة من الله ، مشروعية وقبولاً ، إنما هي حماية للبشر من شراسة من يصنع أول ذنب . وهكذا جاءت التوبة لتحمي الناس من شراسة أهل المعصية الذين بدأوا بمعصية واحدة . إن الذين وقفوا في محاولة تبرئة " ابن أبيرق " انقسموا إلى قسمين : قسم في باله أن يبرئ " ابن أبيرق " ، وقسم في باله ألا يفضح مسلماً . وكل من القسمين قد أذنب . ولكن هل يخرجهم هذا الذنب من رحمة الله ؟ . لا ، فسبحانه يقول : { يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } والحق يعفو عن تلك المسألة . إن القسمين جميعا أصبحوا مطالبين بعمل طيب بعد أن أوضح لهم الرسول ، وفهموا مراد الحق . وسبحانه يبقيهم في الصف الإيماني ، وقد حكم رسول الله على " ابن أبيرق " لصالح اليهودي ، وبعد ذلك ارتد " ابن أبيرق " ، وذهب إلى مكة مصاحباً لِعادة الخيانة ، فنقب حائطا على رجل ليسرق متاعه فوقع الحائط عليه فمات . والحق سبحانه يضع المعايير ، فمن يرتكب ذنباً أو يظلم نفسه بخطيئة ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً . ونلاحظ أن بعض السطحيين لا يفهمون جيداً قول الحق : { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } فيتساءلون : أليس الذي ارتكب العمل السيئ قد ظلم نفسه ؟ ونقول : إن دقة القرآن توضح لنا المعنى فمعنى عمل سوءًا أضرّ بهذا العمل آخرين ، إنّه غير الذي ارتكب شيئاً يضرّ به نفسه فقط فالذي سرق أو قتل أو اعتدى على آخر قذفاً أو ضرباً أو إهانة ، مثل هذه الأعمال هي ارتكاب للسوء فالسوء هو عمل يكرهه الناس ، ويقال : فلان رجل سوء ، أي يلقى الناس بما يكرهون . لكن الذي يشرب الخمر قد يكون في عزلة عن الناس لم يرتكب إساءة إلى أحد ، لكنه ظلم نفسه لأن الإنسان المسلم مطلوب منه الولاية على نفسه أيضاً ، والمنهج يحمي المسلم حتى من نفسه ، ويحمي النفس من صاحبها ، بدليل أننا نأخذ من يقتل غيره بالعقوبة ، وكذلك يحرم الله من الجنة من قتل نفسه انتحاراً . وهكذا نرى حماية المنهج للإنسان وكيف تحيطه من كل الجهات لأن الإنسان فرد من كون الله ، والحق يطلب من كل فرد أن يحمي نفسه . فإن صنع سوءا أي أضر بغيره ، فهذا اسمه " سوء " . أما حين يصنع فعلاً يضر نفسه فهذا ظلم النفس : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ آل عمران : 135 ] وهل فعل الفاحشة مخالف لظلم النفس ؟ . إنه إساءة لغيره أيضا ، لكن ظلم النفس هو الفعل الذي يسئ إلى النفس وحدها . أو أن الإنسان يصنع سيئة ويمتع نفسه بها لحظة من اللحظات ولا يستحضر عقوبتها الشديدة في الآخرة . وقد تجد إنساناً يرتكب المعصية ليحقق لغيره متعة ، مثال ذلك شاهد الزور الذي يعطي حق إنسان لإنسان آخر ولم يأخذ شيئاً لنفسه ، بل باع دينه بدنيا غيره ، وينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " بادروا بالأعمال ستكون فتنة كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويُمسي كافرا ، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض الدنيا " . { وَمَن يَعْمَلْ سُوۤءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً } والله غفور ورحيم أزلاً ودائماً ، والعبد التائب يرى مغفرة الله ورحمته . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ … } .