Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 111-111)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ويورد الحق كلمة " كسب " عندما يتناول أمراً خَيِّرًا فعله الإنسان ، ويصف ارتكاب الفعل السيئ بـ " اكتسب " ، لماذا ؟ لأن فعل الخير عملية فطرية في الإنسان لا يستحيي منه ، لكن الشر دائماً هو عملية يستحيي منها الإنسان لذلك يحب أن يقوم بها في خفية ، وتحتاج إلى افتعال من الإنسان . ولنضرب هذا المثل للإيضاح - ولله المثل الأعلى - نحن نجد الرجل ينظر إلى وسامة زوجته بكل ملكاته ، لكنه لو نظر إلى واحدة أخرى من غير محارمه فهو يقوم بعملية لخداع ملكات النفس حتى يتلصص ليرى هذه المرأة . ويحاول التحايل والافتعال ليتلصص على ما ليس له . ولذلك يقال عن الحلال : إنه " كسب " ويقال عن الحرام : إنه " اكتساب " … فإذا ما جاء القرآن للسيئة وقال " كسب سيئة " فهذا أمر يستحق الالتفات ، فالإنسان قد يعمل السيئة ويندم عليها بمجرد الانتهاء منها إن كان من أهل الخير ، ونجده يوبخ نفسه ويلومها ويعزم على ألا يعود إليها . لكن لو ارتكب واحد سيئة وسعد بذلك وكأنها حققت له كسباً ويفخر بها متناسياً الخطر الجسيم الذي سوف يواجهه يوم القيامة والمصير الأسود ، وهو حين يفخر بالمعصية ففي ذلك إعلان عن فساد الفطرة ، وسيادة الفجور في أعماقه ، وهو يختلف عن ذلك الذي تقع عليه المعصية ولحظة ما يتذكرها يقشعر بدنه ويستغفر الله . { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } فإياك أيها الإنسان أن تظن أنك حين تظلم أحداً بعمل سوء قد كسبت الدنيا فوالله لو علم الظالم ماذا أعد الله للمظلوم لضن على عدوه أن يظلمه . وأضرب هذا المثل للإيضاح - ولله المثل الأعلى دائماً - هب أن رجلاً له ولدان . وجاء ولد منهما وضرب أخاه أو خطف منه شيئا يملكه ، ورأى الأب هذا الحادث ، فأين يكون قلب الأب ومع من يكون ؟ إن الأب يقف مع المظلوم ، ويحاول أن يرضيه ، فإن كان الأخ الظالم قد أخذ منه شيئاً يساوي عشرة قروش ، فالأب يعوض الابن المظلوم بشيء يساوي مائة قرش . ويعيش الظالم في حسرة ، ولو علم أن والده سيكرم أخاه المظلوم لما ظلمه أبداً . إذن فالظلم قمة من قمم الغباء . ومن ضمن المفارقات التي تروى مفارقة تقول : إن كنت ولا بد مغتاباً فاغتب أبويك . ولا بد أن يقول السامع لذلك : وكيف أغتاب أبي وأمي ؟ فيقول صاحب المفارقة : إن والديك أولى بحسناتك ، فبدلاً من أن تعطي حسناتك لعدوك ، ابحث عمن تحبهم وأعطهم حسناتك . وحيثية ذلك هي : لا تكن أيها المغتاب أحمق لأنك لا تغتاب إلا عن عداوة ، وكيف تعطي لعدوك حسناتك وهي نتيجة أعمالك ؟ ونعرف ما فعله سيدنا الحسن البصري ، عندما بلغه أن واحداً قد اغتابه . فأرسل إلى المغتاب طبقاً من البلح الرطب مع رسول ، وقال للرسول : اذهب بهذا الطبق إلى فلان وقل له : بلغ سيدي أنك اغتبته بالأمس فأهديت له حسناتك ، وحسناتك بلاشك أثمن من هذا الرطب . وفي هذا إيضاح كاف لذم الغيبة . { وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } ونعلم أنه إذا جاءت أي صفة من صفات الحق داخلة في صورة كينونة أي مسبوقة بـ " كان " فإياكم أن تأخذوا " كان " على أنها وصف لما حدث في زمن ماضٍ ، ولكن لنقل " كان ومازال " . لماذا ؟ لأن الله كان أزلاً ، فهو غفور رحيم قبل أن يوجد مغفور له أو مرحوم فالله ليس من أهل الأغيار ، والصفات ثابتة له لأن الزمن في الأحداث يتغير بالنسبة للأغيار فقط ، وعلى سبيل المثال نجد الواحد من البشر صحيحاً في زمن ومريضاً في زمن آخر . ولذلك لا يخرج الزمن المستقبل عن الزمن الماضي إلا أصحاب الأغيار . وكذلك لا يخرج الزمن المستقبل عن الزمن الحاضر إلا في أصحاب الأغيار . ومادام الله هو الذي يغير ولا يتغير فلن يغيره زمن ما ، بل كان في الأزل غفوراً رحيما ، ولايزال أيضاً غفوراً رحيماً . وكذلك كان علم الله أزلياً وحكمته لا حدود لها . وبعد ذلك يقول الحق : { وَمَن يَكْسِبْ خَطِيۤئَةً أَوْ إِثْماً … } .