Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 124-124)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وجاءت كلمتا " ذكر " و " أنثى " هنا حتى لا يفهم أحد أن مجيء الفعل بصيغة التذكير في قوله يعمل أن المرأة معفية منه لأن المرأة في كثير من الأحكام نجد حكمها مطموراً في مسألة الرجل ، وفي ذلك إيحاء بأن أمرها مبني على الستر . لكن الأشياء التي تحتاج إلى النص فيها فسبحانه ينص عليها . { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ } . وجاء سبحانه هنا بلفظة مِن التي تدل على التبعيض … أي على جزءٍ من كلّ فيقول : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ } ولم يقل : " ومن يعمل الصالحات " لأنه يعلم خلقه . فلا يوجد إنسان يعمل كل الصالحات ، هناك من يحاول عمل بعضٍ من الصالحات حسب قدرته . والمطلوب من المؤمن أن يعمل من الصالحات على قدر إمكاناته ومواهبه . وتبدأ الأعمال الصالحة من أن يترك الإنسان الأمور الصالحة على صلاحها ، فإبقاء الصالح على صلاحه معناه أن المؤمن لن يعمل الفساد ، هذه هي أول مرتبة ، ومن بعد ذلك يترقى الإنسان في الأعمال الصالحة التي تتفق مع خلافته في الأرض ، وكل عمل تصلح به خلافة الإنسان في الأرض هو عمل صالح فالذي يرصف طريقاً حتى يستريح الناس من التعب عمل صالح ، وتهيئة المواصلات للبشر حتى يصلوا إلى غايتهم عمل صالح ، ومن يعمل على ألاّ ينشغل بال البشر بأشياء من ضروريات الحياة فهذا عمل صالح . كل ما يعين على حركة الحياة هو عمل صالح . وقد يصنع الإنسان الأعمال الصالحة وليس في باله إله كعلماء الدول المتقدمة غير المؤمنة بإله واحد . كذلك العلماء الملاحدة قد يصنعون أعمالاً صالحة للإنسان ، كرصف طرق وصناعة بعض الآلات التي ينتفع بها الناس ، وقاموا بها للطموح الكشفي ، والواحد من تلك الفئة يريد أن يثبت أنه اخترع واكتشف وخدم الإنسانية ونطبق عليه أنه عمل صالحاً ، لكنه غير مؤمن لذلك سيأخذ هؤلاء العلماء جزاءهم من الإنسانية التي عملوا لها ، وليس لهم جزاء عند الله . أما من يعمل الصالحات وهو مؤمن فله جزاء واضح هو : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } [ النساء : 124 ] قد يقول البعض : إن عدم الظلم يشمل من عمل صالحاً أو سوءا ونجد من يقول : من يعمل السوء هو الذي يجب أن يتلقى العقاب ، وتلقيه العقاب أمر ليس فيه ظلم ، والحق هو القائل : { جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا } [ يونس : 27 ] ومن يصنع الحسنة يأخذ عشرة أمثالها . وقد يكون الجزاء سبعمائة ضعف ويأتيه ذلك فضلا من الله ، والفضل من الله غير مقيد وهو فضل بلا حدود ، فكيف يأتي في هذا المقام قوله تعالى : { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } وهم قد أعطوا أضعافاً مضاعفة من الجزاء الحسن ، ونقول : إن الفضل من الخلق غير ملزم لهم ، مثل من يستأجر عاملاً ويعطيه مائة جنيه كأجر شهري ، وفي آخر الشهر يعطيه فوق الأجر خمسين جنيهاً أو مائة ، وفي شهر آخر لا يعطيه سوى أجره ، وهذه الزيادة إعطاؤها ومنحها فضل من صاحب العمل . أما الفضل بالنسبة لله فأمره مختلف . إنه غير محدود ولا رجوع فيه . وهذا هو معنى { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } ، فسبحانه لا يكتفي بجزاء صاحب الحسنة بحسنة ، بل يعطي جزاء الحسنة عشر أمثالها وإلى سبعمائة ضعف ، ولا يتراجع عن الفضل فالتراجع في الفضل - بالنسبة لله - هو ظلم للعبد . ولا يقارن الفضل من الله بالفضل من البشر . فالبشر يمكن أن يتراجعوا في الفضل أما الله فلا رجوع عنده عن الفضل . وهو القائل : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ يونس : 58 ] وأصحاب العمل الصالح مع الإيمان يدخلون الجنة مصداقاً لقوله تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } والنقير هو : النقرة في ظهره النواة ، وهي أمر ضئيل للغاية . وهناك شيء آخر يسمى " الفتيل " وهو المادة التي تشبه الخيط في بطن نواة التمر ، وشيء ثالث يشبه الورقة ويغلف النواة واسمه " القطمير " . وضرب الله الأمثال بهذه الأشياء القليلة لنعرف مدى فضله سبحانه وتعالى في عطائه للمؤمنين . ومن بعد ذلك يقول الحق : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ … } .