Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 168-169)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والحديث هنا يبدأ عن الكفر والظلم { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ } . والكفر هو ستر الوجود الأعلى ، والظلم معناه أنهم عاشوا بمنهج بشري لا يؤدي لهم متاعاً ولا سعادة في حياتهم الدنيا ، وبذلك يكونون قد ظلموا أنفسهم . ومن بعد ذلك يقودهم هذا المنهج إلى عذاب الآخرة . والذي كفر ستر وجود الله وحرم نفسه بستر الوجود الأعلى من المنهج الذي يأتي به الله إنه بذلك قد ضل ضلالاً بعيداً . وسبحانه القائل : { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } [ طه : 123 ] وهناك آية أخرى يقول فيها الحق : { فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 38 ] والذي يأخذ بهوى نفسه وبمنهج البشر فإن له معيشة ضنكا ضيقة شديدة . ولا يظنن ظان أن الذي يأخذ ويتناول الأمور بهواه قد أخذ انطلاقاً بلا حدود وراحة لا نهاية لها ، لا لأن الذي يفعل ذلك قد يرتاح مرة لكنه يقابل التعب ويعيش فيه ولا ينفك عنه من بعد ذلك ، وهكذا يظلم نفسه . وقد يقول قائل : لقد ظلموا أنفسهم ، ومعنى ذلك أنه لا بد من وجود ظالم ومظلوم . فمن هو الظالم ومن هو المظلوم ؟ . كل واحد منهم الظالم . وكل واحد منهم المظلوم لأن الإنسان مركب من ملكات متعددة ، ملكة شهوات تريد أن تنطلق إلى الشهوات ، وملكة قيم تريد أن يحفظ الإنسان نفسه ويسير على صراط القيم المستقيم . وفي حالة من يكفر ولا يتبع منهج الله إنما يترك الفرصة لملكة الشهوات أن تظلم ملكة القيم . والإسلام إنما جاء ليوازي بين الملكات لتتساند في النفس البشرية ، فلا يطغى سيال ملكة على سيال ملكة أخرى . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } [ النساء : 168 - 169 ] هذا هو حكم الحق في الذين يكفرون ويظلمون أنفسهم ، لن ينالوا مغفرة الله وليس أمامهم إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً . ويقول الحق بعد ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ … } .