Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 26-26)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ماذا يبين لنا ؟ إنه - سبحانه - يبين القوانين الحاكمة لانتظام الحياة . وقلنا إنه لا يمكن أن يوجد تجريم إلا بنص ولا توجد عقوبة إلا بتجريم . فقبلما يعاقبك على أمر فهو يقول لك : هذه جريمة ويُنص عليها ، إنه لا يأتي ليقول لك : فعلت الشيء الفلاني وهذه عقوبته لأنك قد تقول له : فعلت هذا الفعل من قبل ولم أعرف أنه جريمة وعليه عقوبة . إذن فلا يمكن أن تعاقب إلا إذا أجرمت ، ولا يمكن أن تجرم إلا بنص ، فيريد الله أن يبصركم ببيان ما تصلح به حركة حياتكم ، والله آمن عليكم من أنفسكم ، لأنه هو سبحانه الذي خلق وهو يعلم مَنْ خلق . إن سبحانه - وحده - الذي يقنن ما يصلح مخلوقه ، أما أن يخلق هو وأنت تقنن فهذا اعتداء لأنه سبحانه يقنن لما يعلم - ولله المثل الأعلى - وقلنا سابقاً : إن المهندس الذي يصنع التليفزيون هو الذي يضع له قانون الصيانة لأنه هو الذي صمم الآلة ، وهو الجدير بأن يضع لها قانون صيانتها ، فيعلمنا : المفتاح هذا لكذا ، وهذا للصورة وهذا للصوت . إن الذي خلق الإنسان هو الذي يضع قانون صيانته المتمثل في " افعل ولا تفعل " ، وترك سبحانه أموراً لم يرد فيها افعل ولا تفعل ، وهي متروكة على الإباحة ، تفعله أو لا تفعله ، إنه سبحانه : { يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ … } [ النساء : 26 ] ، والسنة هي الناموس الحاكم لحركة الحياة . والحق يقول : { سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الأحزاب : 62 ] . والرسل سبقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعرفنا الذين أطاعوا رسلهم ماذا حدث لهم ، والذين كذبوا رسلهم ماذا حدث لهم . لقد قال الحق في شأنهم : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ العنكبوت : 40 ] . فالله يريد أن يبين لنا سنن مَنْ قبلنا ، أي الطرائق التي حُكموا بها ، وماذا حدث لأهل الحق وماذا حدث لأهل الباطل . إذن فهو ليس تقنيناً أصم ، بل هو تقنين مسبوق بوقائع تؤكده وتوثقه ، { وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ … } [ النساء : 26 ] وهو سبحانه يبين ويوضح ويتوب ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ … } [ النساء : 26 ] لأنه خالق ، { حَكِيمٌ } [ النساء : 26 ] يضع الأمر في موضعه والنهي في موضعه . فالحكمة هي : وضع الشيء في موضعه ، وسبحانه يضعه عن علم ، فالعلم يقتضي اتساع المعلومات ، والحكمة هي وضع كل معلوم في موقعه . وبعد ذلك يقول سبحانه : { وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ … } .