Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 61-61)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وعندما نسمع قول الحق : { تَعَالَوْاْ … } [ النساء : 61 ] ، فهذا يعني نداء بمعنى : اقبلوا ، ولكن كلمة " أقبلوا " تعني الإقبال على المساوي لك ، أما كلمة : { تَعَالَوْاْ … } [ النساء : 61 ] فهي تعني الإقبال على الأعلى . فكأن لقضايا البشر تشريعاً هابطاً لأنه من صناعة العقل البشري ، وصناعة العقل البشري في قوانين صيانة المجتمعات - على فرض أننا أثبتنا حسن نياتهم وإخلاصهم - تكون على قدر مستوياتهم في الاستنباط واستقراء الأحداث . لكن التشريع حينما يأتي من الله يكون عالياً لأنه - سبحانه - لا تغيب عنه جزئية مهما صغرت ، لكن التقنين البشري يوضع لحالة راهنة وتأتي أحداث بعدها تستوجب تعديله ، وتعديل القانون معناه أن الأحداث قد أثبتت قصور القانون وأنه قانون غير مستوعب للجديد ، وهذا ناشيء من أن أحداثاً جدّت لم تكن في بال من قنّن لصيانة المجتمع ، وكان ذهن مشرع القانون الوضعي قاصراً عنها ، كما أن تعديل أي قانون لا يحدث إلا بعد أن يرى المشرع الآثار الضارة في المجتمع ، تلك الآثار التي نشأت من قانونه الأول ، وضغطت أحداث الحياة ضغطاً كبيراً ليعدّلوا في الأحكام والقوانين . أما تشريع الله فهو يحمي المجتمع من أن تقع هذه الأحداث من البداية ، هذا هو الفارق بين تشريع وضعي بشري جاء لينقذنا من الأحداث ، وتشريع رباني إلهي يقينا من تلك الأحداث . فالتشريع البشري كمثل الطب العلاجي . أما التشريع السماوي فهو كالطب الوقائي ، والوقاية خير من العلاج . لذلك جاء الحق سبحانه وتعالى بالتشريعات التي تقينا وتحمينا من شرّ الأحداث ، أي أنه يمنع عن الإنسان الضرر قبل أن يوجد وبذلك تتحقق رحمته سبحانه لطائفة من البشر عن أن تعضّهم الأحداث ، بينما نجد للقانون الوضعي ضحايا ، فيرق قلب المشرعين بعد رؤية هؤلاء الضحايا ليضعوا التعديل لأحكام وضعوها من قبل ، ففي القانون الوضعي نجد بشراً يقع عليهم عبء الظلم لأنه قانون لا يستوعب صيانة الإنسان صيانة شاملة ، وبعد حين من الزمن يتدخل المشرعون لتعديل قوانينهم ، وإلى أن يتم التقنين يقع البشر في دائرة الغبن وعدم الحصول على العدل . أما الخالق سبحانه فقد برأ وخلق صنعته وهو أعلم بها لذلك لم يغبن أحداً على حساب أحد فوضع تشريعاته السماوية ، ولذلك يقول الحق : { وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ … } [ الإسراء : 82 ] . " شفاء " إذا وجد الداء من غفلة تطرأ علينا ، " ورحمة " وذلك حتى لا يأتي الداء . الحق سبحانه وتعالى يقول : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء : 61 ] . إنه - سبحانه - يضع من الأحداث ما يفضحهم فيتصرفون بما يكشف نفاقهم ، وبعد ذلك يخطرهم الرسول ويعرف عنهم المجتمع أنهم منافقون . وهم { يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } [ النساء : 61 ] أي يُعرضون عنك يا رسول الله لأنهم منافقون ، وكل منافق عنده قضيتان : قضية لسانية وقضية قلبية فهو باللسان يعلن إيمانه بالله وبرسول الله ، وفي القلب تتعارض ملكاته عكس المؤمن أو الكافر ، فالمؤمن ملكاته متساندة لأن قلبه انعقد على الإيمان ويقود انسجام الملكات إلى الهدى ، والكافر أيضاً ملكاته متساندة لأنه قال : إنه لم يؤمن ويقوده انسجام ملكاته إلى الضلال ، لكن المنافق يبعثر ملكاته ! ! ملكة هنا وملكة هناك ، ولذلك سيكونون في الدرك الأسفل من النار ، الكافر منطقي مع نفسه ، فلم يعلن الإيمان لأن قلبه لم يقتنع ، وكان من الممكن أن يقول كلمة الإيمان لكن لسانه لا يرضى أن ينطق عكس ما في القلب ، وعداوته للإسلام واضحة ، أما المنافق فيقول : يا لساني ، أعلن كلمة الإيمان ظاهراً كي أنفذ من هذا الإعلان إلى أغراضي وأن تطبّق عليّ أحكام الإسلام فأنتفع بأحكام الإسلام ، وأنا من صميم نفسي إن وجدت فرصة ضد الإسلام فسأنتهزها . ولذلك يقول الحق : { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَابَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ … } .