Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 18-18)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلنا : الإنذار هو الإخبار والتحذير من الشر قبل وقوعه و الآزفة من أزف الشيء يعني : دنا وقرب ، والمراد بيوم الآزفة الموت لأنه يأتي بغتةً ، لا يعلم أحد موعده ، أو هو يوم القيامة ، وهو أيضاً قريب لأن الله تعالى يقول فيه : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ … } [ النحل : 1 ] فجاء بالفعل الماضي أتى للدلالة على تحقّق وقرب وقوعه ، لأن كل آتٍ قريب . في هذا اليوم يوم الآزفة { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ … } [ غافر : 18 ] تخيل أن القلب انخلع من مكانه في الصدر ، وخرج من حَيِّزه حتى وصل الحناجر حتى كتم الأنفاس من شدة الهول والبؤس والشقاء والضيق ، كما قال سبحانه في موضع آخر : { وَإِذْ زَاغَتِ ٱلأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } [ الأحزاب : 10 ] . ومعنى { كَاظِمِينَ … } [ غافر : 18 ] الكظم أنْ تحاول كتم الشيء في داخلك بحيث لا يخرج ، ومنه كَظْم القرْبة إذا انخرقت حتى لا يتسرب منها الماء بأنْ تربط مكان الخُرْق وتُحكم رباطه ، ومنه كَظْم الغيظ حتى تتحكم في غيظك وتكتمه في نفسك ولا تُنْفذه ، كما قال تعالى : { وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ … } [ آل عمران : 134 ] فهذا ترقٍّ في مراتب العمل الصالح ، أولها كظم الغيظ ، وأحسن منه التخلص الغيظ بالعفو ، وأحسن منه { وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 134 ] . وقوله : { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر : 18 ] هذا ساعة يجمع الله الظالمين معاً في جهنم والعياذ بالله ، هؤلاء اجتمعوا في الدنيا على معصية الله ، وساروا فيها على هواهم ، والآن في الآخرة يفرّ بعضهم من بعض ويهرب المتبوع من تابعه ، كما قال سبحانه : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَٰحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34 - 37 ] . كذلك لا يجدون شفيعاً يشفع لهم ولا يدافع عنهم ، وقد أوضح الحق سبحانه أن هؤلاء الشفعاء ورؤساء القوم وأئمة الكفر سيسبقون أتباعهم إلى جهنم ، فإذا دخلوا وجدوهم قد سبقوهم إليها ، فيكون ذلك أقطع لأملهم في النجاة وأشدّ لحسرتهم ، لذلك قال تعالى عن فرعون : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ } [ هود : 98 ] . ومعنى الحميم أي : الصديق الحميم ، وهو الذي يخلص لك ويحميك حين يُراد بك الضر ويقف بجانبك وقت الشدة ، الظالم في الآخرة لا يجد هذا الصديق ولا يجد مَنْ يشفع له ، فأصدقاؤهم فرُّوا منهم لأنهم اجتمعوا في الدنيا على المعصية . والله يقول : { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 67 ] أي : يوم القيامة حيث يتبرأ كل منهم من صاحبه ويلقي عليه باللائمة ويكرهه { وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر : 18 ] حتى إنْ قام للظالم شفيع يشفع له لا يطاع ، لأن الشفاعة في الآخرة لها شروط : أنْ يأذن اللهُ للشافع أنْ يشفع ، وأنْ يرضي الله عن المشفوع له ، والله لا يأذن في الشفاعة لظالم ولا يرضى عنه . لذلك لا تُقبل مثل هذه الشفاعة ، ولا يُطاع صاحبها لأنه يطلب من الله الذي يملك العذاب أنْ يطيعه وأنْ يعفو عن المشفوع له ، فكيف ينقلب الحق سبحانه مطيعاً لعبده ؟