Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 21-21)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعني : ألم يقفوا موقف المشاهد لآثار الأمم المكذِّبة وهم يمرون بهم في رحلة الشتاء والصيف ، كما قال سبحانه : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ * وَبِٱلَّيلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الصافات : 137 - 138 ] ألم تروا مدائن صالح وقرى عاد وثمود وغيرهم ممَّنْ كذَّب الرسل ؟ إن آثارهم تدل على أَخْذ الله لهم ، وعلى العقاب الذي نزل بهم فخذوا منهم عبرةً ، واعلموا أن مصيركم كمصيرهم ، ولن تُعجزوا الله في ذلك ، لأن هذه الأمم التي أخذها الله كانت أشدَّ منكم قوة وآثاراً في الأرض ، أأنتم أشد من إرم ذات العماد ، وفرعون ذي الأوتاد … أين هم الآن ؟ هل استطاعوا رغم حضارتهم حماية هذه الحضارة ؟ إن قوتهم وحضاراتهم لم تُغْنِ عنهم من الله شيئاً ، ونزل بهم عذاب الله في الدنيا قبل عذاب الآخرة ولم يمهلهم . لذلك قال سبحانه لرسوله : { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] يعني : إذا لم تَرَ ما نعدهم من العذاب في الدنيا ومتَّ قبلهم فسوف ترى عذابهم في الآخرة . كما قال سبحانه في موضع آخر : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ السجدة : 21 ] . والحق سبحانه يريد من سيْرنا في الأرض أمرين : سياحة في الأرض للاعتبار وأخذ العظة ، وسياحة الانتفاع والاستثمار ، إذن : فالسياحة في الأرض والسير فيها مطلوب إيماني ، لذلك قال تعالى في سياحة الاعتبار : { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ } [ غافر : 21 ] وقال في سياحة الاستثمار : { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ … } [ العنكبوت : 20 ] . وقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا … } [ النساء : 97 ] . إذن : لا مانع أن تجمع في سَيْرك في أرض الله بين سياحة الاعتبار وسياحة الاستثمار والانتفاع ، فلا تحرم نفسك من نظرة الاعتبار في خَلْق الله الجديد عليك ، ولا تُلهِكَ التجارة والاستثمار عن الاعتبار . وهنا ملحظ في قوله تعالى : { فِي ٱلأَرْضِ … } [ غافر : 21 ] هذا الملحظ أخذناه من العلم الحديث أخيراً ، فقد كان العلماء يفسرون { فِي ٱلأَرْضِ … } [ غافر : 21 ] على الأرض أي : الأرض والتربة التي نمشي عليها ، إلى أن عرفنا مؤخراً أن الأرض تشمل غلافها الجوي ، فهذا الهواء الذي فوق الأرض هو العنصر الأساسي والضروري لاستمرار الحياة عليها ، وبدونه لا تكون على الأرض حياة ، لأن الإنسان لا يستغني عنه بمقدار شهيق أو زفير ، وعليه فنحن نسير في الأرض كما جاء نصّ القرآن الذي سبق العلم الحديث إلى هذه الحقيقة . وحين تسير في أرض الله للاعتبار بمخلوقات الله ترى ألواناً شتى لم تَرَها من قبل من الناس والأماكن والمزروعات والنعم التي لا تُحصى ، وتعلم أن الخالق سبحانه يعطي لكل مكان ما يناسبه ، ولكل بيئة ما يصلح لها من الغذاء ، لذلك تجد بعض المزروعات تجود في أماكن دون أخرى ، فبيئة يكثر فيها الموز مثلاً ، وأخرى يكثر فيها البطاطس ، وأخرى القمح . لذلك قال البعض : إن كثرة الأمراض وتعدّيها من بيئة لأخرى منشؤه أن الناس يعيشون على غير أقوات بيئتهم ، فسكان البيئات الحارة يستوردون أقوات البيئات الباردة والعكس ، ومن هذا الخلط نشأتْ الأمراض . وقوله : { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ … } [ غافر : 21 ] أي : عاقبة تكذيبهم الرسل ووقوفهم أمام الدعوة ليُطفئوا نور الله بأفواههم ، فأخذهم الله ولم تمنعهم منه قوتهم ولا آثارهم في الأرض { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } [ غافر : 21 ] يعني : لم يقهم من الله وَاقٍ ، ولم يدافع عنهم مدافع ، ولم تُغْن عنهم حضاراتهم ، لأنهم حين أقاموا هذه الحضارات لم يجعلوا لها قانوناً يصونها . ثم يُعلِّل الحق سبحانه لأخذْهم أخْذ عزيز مقتدر : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ … } .