Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 61-61)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه يذكر هنا آيتين من آياته الكونية هما آية الليل وآية النهار ، الليل نعلمه وهو من مغيب الشمس إلى شروقها ، والنهار نعلمه وهو من شروق الشمس إلى غروبها ، هذا زمن والزمن وعاء الأحداث ، وما دام الزمن وعاءَ الأحداث فلكلِّ حدث زمنٌ يقع فيه . فالحدث الذي يحتاج عملاً له وقت ، فحين تعمل بالنهار تتعب جوارحك وتحتاج إلى وقت للراحة ، فجعل لك الخالق سبحانه الليل تستريح فيه والنهار تعمل فيه ، تستريح بالليل لتستعيد قوتك ونشاطك للعمل في النهار التالي ، وهكذا . فإنْ طرأتْ عليك ظروف منعتْك من راحة الليل ، فكيف تكون بالنهار ؟ تكون متعباً لا توجد لك قوة تعالج بها شيئاً ، فكأن الله تعالى يريد أنْ يُعلِّمنا أن من خلقه متقابلات ، ومن حُمْق البشر أنْ جعلوها متعاديات ، وهي في الحقيقة متكاملات . واقرأ إنْ شئتَ قوله تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [ الليل : 1 - 4 ] . وهذا يعني أن لليل مهمة ، وللنهار مهمة ، وللذكر مهمة ، وللأنثى مهمة ، فلا تظنوا عداءً بين الليل والنهار ، ولا بَيْنَ الذكر والأنثى ، فكُلٌّ منهما مكمَّل للآخر وبينهما تساند لا تعاند كما يظن البعض . لذلك يقول تعالى في آية أخرى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [ القصص : 71 - 72 ] . وتأمل تذييل الآية هنا وهنا : ففي الليل قال { أَفَلاَ تَسْمَعُونَ } [ القصص : 71 ] لأن الليل تتعطل فيه حاسة البصر ، وتبقى الأذن تسمع ، وهي آلة الاستدعاء ليلاً ، أما في النهار فقال : { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [ القصص : 72 ] لأن البصر يكون في النهار . كلمة سرمد ، بعض المفسرين يرى أن الليل ليس سرمداً ، كذلك النهار بمعنى أنه ليس دائماً مضطرداً ، لكن إذا نظرنا إلى حركة الأرض وتعاقُب الليل والنهار وجدنا فيهما سرمدية ، لأن الليل حين يغادرنا يذهب إلى آخرين لا أنه سرمد وينتهي . فهما إذن دائمان سرمديان ، لكن السرمدية المنفعية هي السرمدية بالنسبة للمكان الواحد ، فلهما سرمدية في ذاتهما سرمدية في كل مكان ، أمَّا سرمدية المكان الواحد فتنتهي لتبدأ في مكان آخر . لذلك يقول تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } [ الفرقان : 62 ] خلفة : يعني يخلف كلّ منهما الآخر ، فالليل يخلف النهار ، والنهار يخلف الليل ، هذا الآن واضح لنا كآية كونية ، لكن ماذا عن بَدْء الخَلْق أيّهما كان أولاً وخلفه الآخر ؟ قالوا : في البدء خلقهما الله معاً في وقت واحد ، لأن الشمس خُلقت مواجهة للأرض ، فما كان من الأرض ناحية الشمس كان نهاراً ، وما حُجِب عنها في الناحية الأخرى كان ليلاً ، ثم دارتْ الأرض في فلكها فتعاقب الليل والنهار ، وهذا دليل على كروية الأرض ولو كانت مسطحة ما أمكن ذلك . والعظمة في قوله : { وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } [ غافر : 61 ] أي : مُبْصراً فيه ، وقديماً كانوا يعتقدون أن شعاع الرؤية يخرج من العين إلى المرئي ، إلى أنْ جاء العالم المسلم الحسن بن الهيثم وأثبت عكس ذلك ، وبيَّن أن الشعاع يأتي من الشيء المرئي إلى العين فتراه ، بدليل أنك لا ترى ما في الظلام وترى ما في النور حتى لو كنتَ أنت في ظلام ، لأن الشعاع ينعكس من المرئي فتراه . وعليه فالنهار نفسه مُبْصراً : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ غافر : 61 ] نعم الله صاحب الفضل والتفضل على الناس جميعاً ، لأنه سبحانه أعطاهم بلا حَقٍّ لهم عليه سبحانه ، فهو متفضل في الإيجاد من عَدَم ، ومتفضل في الإمداد من عُدْم ، ومتفضل في التكليف ، نعم حتى في التكليف متفضل ، كيف ؟ قالوا : لأنه حين كلّفك كلّفك بشيء يعود نفعه عليك أنت ، ولا ينتفع هو منه بشيء ، ثم بعد ذلك جازاك عليه ، وجعل لك ثواباً ، فكأنه سبحانه تفضَّل عليك في التكليف مرتين . وقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } [ غافر : 61 ] هذا يعني أن القلة هي الشاكرة ، ويُعرف الشكر بزيادة النعم ، فالشكر وزيادة النعمة متلازمان ، وقد وعد الحق سبحانه : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ } [ إبراهيم : 7 ] .