Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 12-12)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { فَقَضَٰهُنَّ … } [ فصلت : 12 ] أي : جعل السماء وأبدعها وخلقها { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ … } [ فصلت : 12 ] في مدة يومين حين نجمع هذين اليومين إلى الستة أيام السابقة تعطينا ثمانية أيام ، إذن : خَلْق السماء والأرض كان في ثمانية أيام ، لا في ستة كما قالت الآية . هذا جعل بعض المستشرقين يظنون هنا مأخذاً وتناقضاً في كلام الله ، ولكن حاشا لله أن يكون في كلامه تناقض ، لأن الإجمال ستة والتفصيل ثمانية ، وحين تجد إجمالاً وتفصيلاً ، فالتفصيل حجة على الإجمال لأنها أيام متداخلة ، كيف ؟ قالوا : لأن الله تعالى خلق الأرض في يومين ، ثم جعل فيها رواسيَ ، والرواسي من الأرض ، وبارك فيها وقدَّر فيها أقواتها ، هذا كله في الأرض ، فحين يقول { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ … } [ فصلت : 10 ] أي : في تتمة أربعة أيام . فمُجمل خَلْق الأرض في أربعة أيام ، فاليومان الأولان داخلان في الأربعة أيام . كما تقول مثلاً : سِرْتُ إلى طنطا في ساعتين ، وإلى الإسكندرية في أربع ساعات ، فالساعتان الأوليان داخلتان في الأربع . إذن : خلق الله تعالى الأرض بما فيها من الرواسي في أربعة أيام ، فإذا أضفنا يومين في خَلْق السماء كان المجموع { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ … } [ الأعراف : 54 ] . وقوله : { وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا … } [ فصلت : 12 ] أي : جعل فيها ودبَّر فيها أمرها . يعني : بيَّن مهمتها وما فيها من وجوه الخير ، ومَنِ الرسول الذي سيكون فيها … إلخ وبيَِّن مهمتها التي تقوم عليها في هداية حركة الحياة . { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ … } [ فصلت : 12 ] وهي الكواكب والنجوم التي تضيء في السماء كالمصابيح ومنها الشمس والقمر ، وتجد أن نور الشمس غير نور القمر ، نور الشمس يُسمَّى ضياءً . يعني : نور مع حرارة أما القمر فَلَه نور فقط ، لذلك يُسمُّونه النور الحليم ، لأنه خَال من الحرارة ، لذلك قال تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً … } [ يونس : 5 ] . وقال : { سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً } [ الفرقان : 61 ] . وقوله : { وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً … } [ فصلت : 12 ] السماء الدنيا هي السماء التي نباشرها نحن ونرى فيها النجوم ، والمصباح يُقاد من ضوء الشمس حين ينعكس ، فيعطي ضوءاً هادئاً نسميه ضوء حليم يعني : لا حرارة فيه . والحق سبحانه الذي خلق الخَلْق وهو أعلم بما يُصلحه علم أن له زمنين : زمناً للكدح والحركة ، وزمناً للراحة والسكون ، فالليل للسكون ، والنهار للحركة ، ولا يمكن أنْ تتحرك حركة قوية رشيدة إلا إذا كنتَ قد استوفيتَ أولاً نوماً هادئاً ، وإلا من لم ينم ويسترح لا يقدر على العمل في الصباح ، لكن بعض الحركات لا تكون إلا ليلاً . لذلك جعل لنا الخالق سبحانه ضوءاً يهدينا في ظلمة الليل مثل الونَّاسة كما نقول ، فلا يمكن أن يتركنا في ظلمة نتخبط فيها ، فنحطم الأضعف منا ، أو يُحطمنا الأقوى . لذلك قال سبحانه عن النجوم : { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] الحق سبحانه صنع ذلك لتصويب حركة الحياة ، لأن الله خلق الخليفة آدم ، وأمره أنْ يعمر الأرض ، يعمرها بما أعطاه الله من مادة وعقل يختار بين البدائل ، وبما أعطاه الله من جوارح تنفذ مرادات العقل ، فأراد سبحانه أن يضمن سلامة الكون مع نفسه ، هذا في المادة . وللنجوم مهمة أخرى في القيم ، قبل بعثة رسول الله . وقال تعالى : { وَحِفْظاً … } [ فصلت : 12 ] وفي موضع آخر قال : { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [ الصافات : 7 ] فقد كان الجنُّ يتسمَّع إلى الملأ الأعلى في السماء ، فيأخذ شيئاً من أمور الخَلْق يسمعها من الملائكة وينزل بها إلى الكهنة ، فيخبرون الناس بها على أنهم يعلمون الغيب ، وفعلاً تصدُق هذه الأخبار فيظن الناس أنهم يعلمون الغيب ، ويأتي الكاهن بالشيء الصادق صدفة ، ومعه أشياء كثيرة كذب . كان هذا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم ، لكن لما جاء سيدنا رسول الله حفظ الله السماء من استراق السمع ، لذلك قال : { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [ الجن : 9 ] . لذلك رأينا أن العرب كانوا يحتكمون إلى الكهَّان ويُصدِّقونهم ، يُرْوَى أن هنداً امرأة أبي سفيان كانت قد تزوجتْ رجلاً اسمه الفاكه بن المغيرة وكان سيداً من سادات قريش ، وبيته مفتوح للقوم يأتيه كل محتاج لشيء ، يقولون : اذهبوا إلى الفاكه ، لأن بيته كان قريباً من نادي القوم . وفي يوم من الأيام نزلتْ هندٌ تباشر أمورَ بيتها ، فوجدتْ رجلاً نائماً في ساحة البيت فرجعتْ ، وفي هذه اللحظة دخل الفاكه ورأى الرجل النائم فداخله الشَّكّ في امرأته ، فقال لها : الزمي بيت أبيك فذهبت إلى أبيها عتبة ، وشاع عند العرب أن الفاكه اتهم امرأته بكذا وكذا . جاء أبوها عتبة وقال للفاكه : يا فاكه لقد جُنَّت ابنتي ، يعني : رُميت بشيء ، ولا أرى إلا أنْ نحتكم إلى الكاهن ليقضي لنا في هذه المسألة ، فاجمع من رجالك ومن نسائك مَنْ شئتَ ، وتكون ابنتي في وسطهم ، ونذهب إلى الكاهن ونسأله . كانت هند امرأة عاقلة ، فقالت : يا أبي إنك تأتي إلى بشر يخطئ ويصيب ، وربما رماني بشيء ليس فيَّ ، فتضل سُبَّة لي وسُبَّة لك ، فقال لها : اطمئني فأبُوك ليس أحمقَ إلى هذا الحدِّ ، ولن أعرض أمركِ عليه إلا إذا أخبرني بالخبيء الذي خبَّأته له ، وقبل أن يصلَ إلى الكاهن ، وكان يركب مُهْراً فنزل في خلاء وصفر للمهر فأدلى المهر متاع مائه ، ففتح عتبة فتحة متاع المهر ووضع فيها حبة قمح ، ثم ركبه إلى الكاهن . ثم قال له : لن أعرض عليك أمري حتى تخبرني بخبء خبأته لك . قال له الكاهن : حبة بُرٍّ في إحليل مُهْر . قال : أعد ، قال : بُرَّة في كمرة ، فأخبره عتبة بأمر ابنته وهي في وسط النساء فمرَّ الكاهن يمسك برؤوس النساء واحدة بعد الأخرى حتى وصل إلى هند وتوقَّف عندها ، ولم يكلم الأخريات ، وعند هند قال لها : قومي غير رسحاء ولا زانية ، وستلدين ملكاً اسمه معاوية . هذ أخبار صَحَّت ، وهي من استراق السمع لا تدلُّ أبداً على معرفة الكاهن للغيب . فلما برئتْ هندٌ وارتفعتْ رأسها بين القوم أراد الفاكه أنْ يتمحك فيها ، يعني : عفا الله عما سلف ، وهيا بنا إلى البيت ، فقالت له : والله لقد غرَّك مُلْك معاوية ، ولأحرصنَّ أن يكون من غيرك … اذهبْ عني ، وبعدها تزوجتْ أبا سفيان وولدتْ له معاوية . أنهى الله هذه المسألة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمكن أنْ يسترقَ شيطانٌ سمعاً بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى : { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ … } [ الجن : 9 ] يعني : قبل البعثة { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً } [ الجن : 9 ] وبذلك حمى اللهُ منهجَ السماء أنْ تدنِّسه شهوات الشياطين . { ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ فصلت : 12 ] العزيز الذي لا يُغلَب ، وما دام لا يُغلَب ، فلن يستطيع شيطانٌ أن يسترق السمع ، ويأخذ شيئاً من الأخبار ، وهو سبحانه عليم بمصالح الخلق .