Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 4-4)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { بَشِيراً وَنَذِيراً … } [ فصلت : 4 ] هذا أول شيء في التفصيل ، كما قلنا : فصَّل الحق والباطل ، والحلال والحرام ، هنا بشيراً ونذيراً { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } [ فصلت : 4 ] إعراض الكثرة يدل على أن القلة هي التي آمنتْ وهي القلة المستضعفة ، أما أكثرهم فكانوا أهل السيادة وأهل القوة الذين لم يقبلوا الدعوة الجديدة التي تسويهم بهؤلاء الضعفاء والعبيد . لذلك سيدنا أبو بكر لما تولى الخلافة ، وجاءه جماعة من هؤلاء الصناديد ، وكان عنده جماعة من المستضعفين السابقين للإسلام أخّر الصناديد والكبراء حتى يفرغ ممَّنْ عنده فشقَّ ذلك عليهم ، ووجدوا في أنفسهم شيئاً ، كيف يُقدِّم أبو بكر عليهم العبيد والضعفاء ، فقال الصِّدِّيق : ما بال هؤلاء ؟ كلهم ورم أنفه أنْ قدَّمتُ عليه فلاناً وفلاناً ، فما بالهم إذا قدَّمهم الله عليهم يوم القيامة في الجنة ؟ لكن ما وجهة الإعراض في قوله تعالى : { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ … } [ فصلت : 4 ] قالوا : وجهة الإعراض أنهم يفهمون مطلوب الدين الجديد بقولهم : لا إله إلا الله . وأن السيادة لن تكون إلا لهذه الكلمة ، ولن تكون سيطرة إلا لهذه الكلمة ، وأن العباد سيكونون سواء أمامها ، إذن : كيف يقولون لا إله إلا الله ، وهم يعرفون مطلوبها ؟ لذلك لم يقولوها ، ولو كانت مجرد كلمة تُقال لقالوها ، لكنهم يعرفون معناها فوقفوا . وقوله : { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } [ فصلت : 4 ] أي : لا يسمعون سماعاً نافعاً ، وسماعاً واعياً مقبولاً ، وإلا فقوله تعالى : { فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ … } [ فصلت : 4 ] دلَّ على أنهم سمعوا دعوة رسول الله ، سمعوها بالآذان فقط ، ولم يستفيدوا بهذا السماع ، لذلك قال تعالى فيهم : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً … } [ محمد : 16 ] . لذلك يختلف الناس في تلقِّي القرآن ، فواحد يسمع وينفعل ويسجد لعظمة القرآن ، وآخر يسمع ويقول : ماذا قال ! ! على سبيل الاستهزاء والاستقلال . لأنه لا يسمع بأذن الاعتبار والتأمل ، لماذا ؟ لأن منافذ القلب من العقل مُضببة بالمطلوب الذي يطلبه الإيمان منهم ، فقد ألفوا السيادة ، فساعةَ يسمعون ما يعارض سيادتهم وسلطتهم الزمنية يعرضوا . لذلك قلنا في قصة إسلام سيدنا عمر أنه لما سمع القرآن أولاً عاند وثار ، لأنه قلبه لم يكُنْ مُعداً للاستقبال السليم ، فلما لطم أخته وسال الدم منها رقَّ قلبه ولاَنَ ، وزال عنه الضباب ، فلما سمع القرآن تأثر به وانفعل به فآمن .