Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 42, Ayat: 37-37)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
معنى { يَجْتَنِبُونَ … } [ الشورى : 37 ] أي : يبتعدون عن الأسباب المؤدية إلى { كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ … } [ الشورى : 37 ] الكبائر هي الذنوب الكبيرة التي توعَّد اللهُ فاعلها وجعل لها عقوبة . والفواحش كل ما عظُم فُحْشه وقُبْحه ، وهذه كلها ذنوب تُوجب إقامة الحدِّ على فاعلها . وسبق أنْ قلنا : إن مواكب الرسل المختلفة اتفقتْ في تحريم هذه الكبائر وحثَّتْ الجوارح النفسية أنْ تتبرأ من عيوبها ، فالقلب يتبرأ من الشرك ومن الإصرار على المعصية ، وألاَّ يأمن مكر الله ، وألاَّ ييأس من رحمة الله . واللسان يبرأ من شهادة الزور وقوْل الزور وقَذْف المحصنات واليمين الغمُوس الذي يُغمس صاحبه في النار ، وهو الحلف كذباً على شيء حصل في الماضي ، وهذا اليمين ليس له كفارة ، لكن إنْ حلف على شيء في المستقبل ، وظهر له ما هو أفضل يسمح الله له إنْ يأتي الأفضل ويُكفِّر عن يمينه . كذلك البطن تبرأ من شرب الخمر وأكْل مال اليتيم وأكْل الربا . والفَرْج يبرأ من كل اتصال لا يحلّ ، واليد تبرأ من السرقة والقتل ، والرِّجْل تبرأ من التولِّي يوم الزحف . وفوق هذا كله تبرأ كلُّ هذه الجوارح من عقوق الوالدين . وقوله تعالى : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [ الشورى : 37 ] الغضب فوران الغريزة الغضبية من شيء أغضبك أو أتعبك ، وهذا الشيء حدث من شخص ما فتتولد لديك رغبة الانتقام أو مشاعر الحقد والحسد نحوه . فالحق سبحانه يُعلِّمنا كيف نغفر ونعفو ونصفح ، وإذا كنتَ تحب أن يغفر لك فاغفر لمَنْ أساء إليك ، وإذا تأملنا أحوال الناس نلاحظ أن عاقبة الصفح والغفران حميدة ، وعاقبة البطش والانتقام وخيمة . لذلك الحق سبحانه وتعالى يرشدنا إلى أن نأخذ جانب العفو ، ونحذر سَوْرة الغضب ، وألاَّ ننساق معها ، وألاَّ نتجاوز الحدود حين تأخذنا هذه السَّوْرة حتى في مسألة القصاص : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى … } [ البقرة : 178 ] . فبعد أنْ يُشرع لنا القصاص يُذكّرنا بما هو أَوْلَى بنا وأرشد وهو العفو { فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ … } [ البقرة : 178 ] فشرع القصاص ليحفظ الحق لصاحبه ، ثم فتح باب العفو . لذلك نجد الدين يمنع أي شخص أنْ يشفع في حَدّ من حدود الله إلا القتل تجوز فيه الشفاعة ، لأن وليَّ المقتول حين يعفو عن القاتل يُفشي الودَّ في المجتمع ، ويصير القاتل مُداناً له لأنه يعلم أن روحه رَهْن بهذا العفو . واقرأ قول الله تعالى : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34 - 35 ] . هذه حقيقة يقررها الخالق سبحانه وهو أعلم بعباده ، لذلك نجد البعض في هذه المسألة يقول لك : والله أنا دفعتُ بالتي هي أحسن دون فائدة ، نقول له : عليك أنْ تراجع نفسك ومدى صِدْقك في تصرفاتك ، فأنت تظن أنك دفعتَ بالتي هي أحسن ، لكن الواقع غير ذلك ، فأنت تجرِّب مع الله والتجربة مع الله شكٌّ ، فلو صدقتَ لصدقتْ الآية معك . وصدق القائل : @ يا مَنْ تُضَايقُكَ الفِعَـ ـالُ مِنَ التي وَمِنَ الذِي ادفَعْ فَديْتُكَ بالتي حَتَّى تَرَى فَإذَا الذِي @@ ثم تأمل لماذا أكَّدتْ الآية الفاعل في { يَغْفِرُونَ } [ الشورى : 37 ] بذكر الضمير المنفصل هم ؟ فقال تعالى : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [ الشورى : 37 ] قال : هم ليؤكد أنهم أصحاب القرار ، فالغفران منهم هم ، ليس مجاملة لأحد ، ولا إجباراً من أحد ، لأنك قد ترسل لصاحب الحق مَنْ يشفع لك عنده ، فحين يغفر صاحب الحق يكون الجميل للشافع ، فلماذا إذن تحرم نفسك الثواب ، لماذا لا تجعلها لك خالصة ؟