Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الكاف في { كَذَلِكَ } حرف معنى يفيد التشبيه و { ذَلِكَ } إشارة إلى الحروف المقطعة السابقة ، يعني بمثل هذه الحروف { يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ } [ الشورى : 3 ] فهذه الحروف من وحي الله إلى نبيه محمد ، وما يأتي بعدها أيضاً من وحي الله . والوحي : هو إعلام بخفاء من المتكلم للسامع ، فلو جاءك ضيف وتريد أن تخبر خادمك بأمر دون أنْ يُحسَّ به الضيف ، فإنك تنظر إلى الخادم أو تهمس إليه بطريقة ما يفهم منها ما تريد ، فكأنك أوحيتَ إليه بهذا الأمر . والوحي يقتضي : مُوحِياً ، ومُوحَىً إليه ، ومُوحَىً به ، وقد أخبرنا الحق سبحانه أنه يوحي لمن يشاء من مخلوقاته ، يوحي إلى الملائكة : { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } [ الأنفال : 12 ] . ويوحي للرسل : { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ … } [ النساء : 163 ] . ويوحي إلى الصالحين من عباده ، كما أوحى إلى الحواريين ، وكما أوحى إلى أم موسى ، وأوحى للنمل ، وأوحى إلى الأرض وهي جماد : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزلة : 5 ] . كذلك أخبرنا الحق سبحانه أن الشياطين يوحي بعضهم إلى بعضهم ، ومثلهم شياطين الإنس ، قال تعالى : { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ … } [ الأنعام : 121 ] أي : من الإنس وقال : { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } [ الأنعام : 112 ] والوصف العام لكلمة الوحي أنه بخفاء ، هذا في المعنى العام لكلمة الوحي ، وهو يكون بالخير ويكون بالشر . أما الوحي الشرعي المقصود هنا فالذي يكون من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بواسطة الملَك جبريل عليه السلام ، قال تعالى : { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الشورى : 51 ] . إذن : الوحي الشرعي : إعلام من الله لمن اختاره من الرسل بإحدى هذه الوسائل : أن يرسل إليه مَلَكاً أو عن طريق الإلهام ، وسبق أنْ أوضحنا أن وارد الرحمن لا يصطدم بوارد الشيطان ، لأن وارد الرحمن أقوى لا ينازعه شيء . ففي قصة أم موسى ، قال تعالى { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ } [ القصص : 7 ] الوحي هنا بمعنى ألهمها ، أو نفث في روعها ، أو مرَّر بخاطرها { أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ } هذا أمر العقل لا يقبله ، لكنه لما كان من الله لم يعارضه اختيار آخر وأذعنتْ له أم موسى ونفَّذته على الفور . لذلك لما أراد الحق سبحانه أنْ يعلِّم صحابة رسول الله أمور دينهم أنزل إليهم جبريل في صورة رجل ، وأخذ يسأل رسول الله عن الإيمان وعن الإسلام وعن الإحسان وكان يسأل ويصدق لذلك تعجب منه الصحابة : كيف يسأل ويصدق ، ولما انتهى الدرس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه جبريل جاء يعلمكم أمور دينكم " . وتبين هذه الآية : { كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ الشورى : 3 ] أن الموحي هو الله عز وجل ولم تقل مثلاً ربك ، فاختارت لفظ الألوهية لماذا ؟ الله هو المعبود بحقٍّ ، والمعبود يعني له منهج وله تكاليف فيها أوامر وفيها نواه ، فعطاء الألوهية كما قلنا عطاء تكليف ، أما عطاء الربوبية فتربيةً ورعاية ومنح دون مقابل . فالحق سبحانه وتعالى في العطائيْن لا يعود عليه من العباد شيء ولا ينتفع منهم بشيء ، لا تنفعه طاعة الطائعين ، ولا تضره معصية العاصين ، وما جعل التكليف والمنهج إلا لإسعاد العباد وسلامة المجتمع . كأن الله يقول لنا : أريدكم سعداء في مجتمع نظيف طاهر يقوم على المحبة والسلام ، ويخلو من الغل والحسد والنفاق ، مجتمع يقول وينبه على الفضيلة ويخلو من الرذيلة ، ذلكم لأنكم عبادي وصنعتي ، وكل صانع يريد لصنعته الصلاح ، ويربأ بها عن الفساد . لذلك قلنا : إن الرجل العاقل لا يحقد على مَنْ هو أعلى منه في ناحية من النواحي ولا يحسده ، وإذا اصطدم بظالم لا يدعو عليه إنما يدعو له ، وإذا رأى فساداً أصلحه ، وإذا رأى غير المسلمين تمنى لو كانوا مسلمين ، لماذا ؟ لأنه سيسعد بإصلاح هؤلاء ، وسيجني ثمار صلاحهم واستقامتهم ، وسيعود عليه خيرهم . وقوله تعالى : { ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ الشورى : 3 ] إشارة إلى أن الموحي بهذا الوحي والمنزِل لهذا الكتاب ولهذا المنهج الله أي : صاحب التكاليف والآمر بها . الله : عَلَم على واجب الوجود ، بعضهم قال : هو مشتق من أله من العبادة ، ومألوه يعني معبود ، وبعضهم قال : الله عَلَم على الذات ، لا تجد فيه إلا صفة العَلَمية على واجب الوجود ، وهذا العلم موصوف بكل صفات الكمال ، فهو القوي العزيز الجبار المتكبر الرحيم الحكيم الغفور الوهاب القهار . هذه من أسماء الحق سبحانه وهي صفات كمال لاسم الله ، لذلك قال تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الإسراء : 110 ] . الحق سبحانه يُعلِّمنا كيف ندعوه في شتى أمورنا ، فمَنْ أراد العلم يدعو العليم ، ومَنْ أراد القوة يقول يا قوي قوِّني ، ومَنْ أراد الحكمة يقول : يا حكيم ألهمني الحكمة ، ومَنْ أراد سعة الرزق قال : يا باسط ابْسُطْ لي الرزق ، فإذا أراد كلّ هذه الصفات قال : يا الله . فهو الاسم الجامع لكل صفات الكمال . وهو سبحانه في تكاليفه لكم { ٱلْعَزِيزُ } يعني : غالب لا يغلب ، وله صفات العزة والجبروت والغنى والاستغناء عن الخلق . ثم هو سبحانه { ٱلْحَكِيمُ } يعني : حين كلّف كلّف بقدر وبحكمة ذلك لأن القرآن به تكاليف قد يراها البعض شاقة ، لكن إذا أخذنا هذه التكاليف بمصاحبة ثمرتها والثواب عليها نجدها سهلة يسيرة لأنها تُدِر عليك نفعاً تهون أمامه كل المشاق . ألاَ تراك تتعب في الدنيا ثم تجني من الثمار على قدر تعبك ، ألاَ ترى أن نفاسة النتيجة على مقدار الكَدِّ ؟ أنت في الدنيا مثلاً تزرع الفجل تجده فجلاً ، وتستطيع أنْ تأكل منه بعد عدة أيام ، وتزرع مثلاً الخيار وتأكل منه بعد أربعين يوماً والأرز مثلا بعد عدة شهور ، وتزرع المانجو فلا تعطيك إلا بعد عدة سنوات . إذن : إذا كلَّفك الله بشيء فيه مشقة ، فاعلم أن الثمرة على قدرها ، واعلم أن الذي أوحى إلى النبي بهذا التكليف عزيز حكيم ، فإنْ كان شاقاً في نظرك فمُكلِّفك به غنيٌّ عنك وعن طاعتك لا يستفيد منه بشيء بل أنت المستفيد ، وهو حكيم يعني كلَّفك بما يؤدي إلى سلامة حركتك في المجتمع . وهذه العزة لله تعالى فهمها إبليس حين قال : { فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] يعني : بغناك عنهم ، وترك الاختيار لهم { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] وإلا فالذي تريده وتستخلصه لك لا أستطيع أنْ أقترب منه : { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ الحجر : 40 ] . إذن : المعركة ليست بين الحق سبحانه وبين إبليس ، إنما بينه وبين بني آدم ، وهي معركة ممتدة منذ مسألة الأمر بالسجود لآدم وإلى قيام الساعة ، وقد ظهر غباء إبليس في الحوار الذي دار بينه وبين الحق سبحانه ، ثم بينه وبين سيدنا آدم ، ففي قوله : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] كشف عن خططه وطريق إغوائه لبني آدم ، وأنه سيأتيهم في أماكن الطاعات ليفسدها عليهم . لكن الحق سبحانه وتعالى علَّمنا كيفية التعامل مع هذا العدو ، وعلَّمنا كيف نرده ، فقال تعالى : { وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } [ الأعراف : 200 ] يعني الجأ إلى الله ، وذَكِّره بالله لأنه خنَّاس إذا ذكر الله خنس ، وهذه وصفة إياك أن تغفل عنها . وظهر أيضاً غباؤه وتغفيله في قوله لآدم وحواء وهما في الجنة : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 20 ] فلو كان يعلم أنها شجرة الخلد لأكل منها من باب أوْلى ، ولم يسأل الله أنْ يُنظره إلى يوم يبعثون ، وهذه غفل عنها آدم أيضاً ، وقد قال الله في حقه : { وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [ طه : 115 ] ولذا لا نعتب على من نَسِي فإن المُوَصَّيْن بنو سَهْوان .