Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 52-52)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ … } [ الشورى : 52 ] إشارة إلى ما سبق بيانه في الآية السابقة من وسائل الوحي الثلاثة { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } [ الشورى : 52 ] يا محمد { رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] الروح هنا : هو جبريل عليه السلام أمين الوحي فسمَّى الله جبريل روحاً كما سمى القرآن نفسه روحاً ، فشبَّهه بالروح التي يلقيها الحق سبحانه في الإنسان فتدبّ فيه الحياة والحركة بعد أنْ كان قطعة لحم لا حِرَاكَ فيها ولا حياة . تعرفون أن الإنسان خلقه اللهُ من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، وحين يتكوَّن الجنين في بطن أمه يرسل الله له مَلكاً ينفخ فيه من روحه تعالى بعد 120 يوماً من حمله ، فتسري فيه الحياة ، وتعمل الجوارح ، وتتحرك الأعضاء . فكما كانت الروحُ حياةً للأبدان كان القرآنُ حياةً للقلوب وللقيم ، من هنا سمَّى الله جبريلَ روحاً ، وسمَّى القرآن روحاً ، ومن ذلك قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } [ الأنفال : 24 ] . فالحق سبحانه يخاطبهم وهم أحياء حياةَ البدن والمادة ، إذن : الحياة هنا حياة الروح ، والقلب ، حياة القيم والمبادئ لأن الحق سبحانه ما كان ليعطي عبده روحاً تُحرِّك مادته وتُسيِّر جوارحه ، ثم يترك قيامه بدون منهج وبدون قيم وبدون أخلاق . ومن كرامة الإنسان على الله تعالى أن يمنحه هذه الروح التي يحيا بها قلبه وقيمه وأخلاقه لأن حياة البدن والمادة حياة موقوتة فانية تفنى بفناء البدن . أما حياة القيم والمنهج فحياة باقية دائمة تصل حياتك في الدنيا بحياتك في الآخرة ، وهذه هي الحياة المقصودة في قوله سبحانه وتعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ … } [ الأنفال : 24 ] . وقوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ … } [ الشورى : 52 ] أي : لا تعرف شيئاً عن القرآن أو لا تعرف الكتابة ، ولا تعرف الإيمان يعني الشرائع التفصيلية ، وقلنا : إن الأمية شرف في حق رسول الله ، وشرف في حَقِّ أمته ، فالأمية مذمومة إلا في رسول الله وفي أمة رسول الله . ولو كان محمداً متعلماً يقرأ ويكتب لقالوا إنه جاء بالقرآن من عند نفسه ، ولو كانت أمته أمةَ تعليم وحضارة لَقالُوا عن الإسلام قفزة حضارية يريدون أنْ يسودوا بها العالم . فمن عظمة محمد أنْ يقول له ربه : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ } [ الشورى : 52 ] ويُرْوى أنا الخليفة المأمون قال لرجل يريد الذم : أنت أمي ، فقال الرجل : إن رسول الله أمي ، فقال له المأمون : الأمية في رسول الله شرف ، وفيك تلف . لذلك أمر الحق سبحانه نبيه في موضع آخر أنْ يقول : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يونس : 16 ] . نعم أين عقولكم ، فلقد لبث محمد بين أظهركم عمراً قبل الرسالة ، وأنتم أدْرَى الناس به ، وتعلمون أنه أُمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولم تَرَوْهُ من قَبْلَ خطيباً ولا شاعراً ، لذلك كان من غبائهم وعنادهم أن اتهموا رسول الله أنه يختلف إلى رجل أعجمي يعلمه القرآن ، فكشف القرآن زيفهم وقال : { لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . إذن : ما نزل على محمد شيء جديد ليس من صنع بشر { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا … } [ الشورى : 52 ] كلمة { جَعَلْنَاهُ … } [ الشورى : 52 ] أي : القرآن { نُوراً … } [ الشورى : 52 ] ضياءً يزيح ظلام الجهل والكفر ، وهذا النور هو الذي يهدي مَنْ يشاء الله له الهداية فيسير في الأرض على هدى وعلى بصيرة بحيث لا يصدم بشيء . والتصادم يعني الخسارة والهلاك فإنِ اصطدمتَ بما هو أقوى منك حطَّمك ، وإنِ اصطدمتَ بما هو أضعف منك حطمته ، لذلك قلنا : إننا في واقع حياتنا لا بدّ أنْ نحتفظ بشيء من الضوء ، حتى حال النوم نترك ونَّاسة خافتة لنهتدي بها في ظلمة الليل حتى لا نتخبط إذا قُمْنا بالليل . ومن نور المادة نرتقي إلى نور الروح والقلب ، وإلى المنهج الذي يُنير حياتنا المعنوية ، هذا النور الذي قال الله عنه : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] . قلنا : والإنسان ينير مجال حركته في الحياة على قدره ، فواحد يُنوِّر حياته بشمعة ، وآخر بلمبة جاز ، وآخر بالكهرباء وهكذا ، لكن إذا سطعتْ الشمس غطى نورها على كل الأنوار كأنها تقول لنا : أطفئوا أنواركم فقد جاءكم نور الله ، وحين نرتقي من النور المادي إلى النور القيمي نقول : إذا جاءكم نور المنهج من الله فأوقفوا كل مناهجكم . وإذا جاءكم الحكم من الله فأوقفوا كلَّ أحكامكم وكل آرائكم ومقترحاتكم ، ففي شرع الله ما يغنيكم عن كلِّ هذا ، فكما أنك لا تحتاج إلى ضوء مصباحك أثناء النهار ، كذلك لا تحتاج إلى أيِّ منهج آخر مع منهج الحق سبحانه فاستغنوا به عن غيره . فإذا ما قارنت نور الله بنور البشر ظهر لك الفرقُ واضحاً ، في النور المادي والمعنوي ، فأنت تأتي بالشمعة مثلاً وتضع فيها فتيلاً ، وتأتي بالكبريت لتشعلها ، ومع ذلك لو هبَّت عليها ريح تُطفئها ، واللمبة الكهرباء تحتاج إلى أدوات لصناعتها وإلى ترانس ينظم الكهرباء وخلافه وبعد شهر تحتاج غياراً ، ولو زاد عليها التيار تحترق وهكذا . أما الشمس فتضيء العالم كله ، لا تحتاج منك إلى مزاولة شيء ولا إلى قطعة غيار ولا صيانة ، ثم إن ضوءك يعمر بقدر عمرك ، أما ضوء الشمس فباقٍ دائم دوامَ الكون وبقاء الدنيا من قبل آدم وإلى قيام الساعة . كذلك الفرق واضح في النور المعنوي ، فأنتم تروْنَ مناهج البشر وقوانينهم لا تخلو من أخطاء ومن سلبيات ، فإنْ ناسبتْ جماعة تعارضتْ مع جماعة أخرى ، لذلك نراهم يلجأون إلى تغيير هذه القوانين من حين لآخر ، فهي مناهج قاصرة قصور البشر . أما مناهج السماء فهي كاملة خالية من الأخطاء تراعي كل الظروف ، وتصلح لكل زمان ولكل مكان ، لأنها جاءتْ من الله العليم بحال خَلْقه ، الخبير بما يُصلحهم ، وبما يقيم حياتهم . إذن : الحق سبحانه مَا كان ليمنحنا النور المادي ويحرمنا النور المعنوي لأنه أهمُّ وأقوى في حياتنا من النور المادي ، ألاَ ترى أن الأعْمى يستطيع أنْ يتحسَّس طريقه ، ويستطيع أنْ يأتي بمَنْ يقوده ويُوصِّله إلى غايته . أما مَنْ فقد النور المعنوي فتراه يتخبط في متاهات الحياة دون هدى ، وينتهي به الحال لا محالة إلى الضياع ، ثم إن نور المادة مرتبط بها ويفنى بفنائها ، أما نور القيم فبَاقٍ ممتدّ من الدنيا إلى الآخرة ، وهو أصل الخلافة في الأرض . لذلك الحق سبحانه يشرح لنا هذه المسألة في سورة النور ، فيقول سبحانه : { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ } [ النور : 35 ] . فمعنى { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } [ النور : 35 ] يعني : نور الهداية والقيم على نور المادة لتسير في دنياك على هدى وعلى بصيرة ، وتسلم من الانحراف والضلال في الدنيا ، ثم يُوصِّلك هذا النور إلى سلامة الآخرة والفوز فيها ، وهذا مثل { وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ } [ النور : 35 ] ليوضح لهم ما خَفِي عليهم ، فالنور المادي دليل على المعنوي ، والمؤمن يرتقي من النور المادي إلى النور المعنوي . ثم يُبيِّن لنا الحق سبحانه مصدر هذا النور في الآية التي بعدها : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [ النور : 36 ] يعني : يا مَنْ أردتَ هذا النور المعنوي فالتمسْه في بيوت الله فهي مصدر إشعاعه ، التمسْه في الصلاة وفي ذكر الله وفي تنفيذ المنهج الذي جاءك من الله . فالقرآن إذن نور عام حين نُوظِّفه يعطينا نوراً آخر هو نور الطاعات والعبادات ، وأسْمَى مصدر لهذا النور هو المسجد . لذلك العلماء لمَّا بحثوا في متعلق الجار والمجرور في { فِي بُيُوتٍ … } [ النور : 36 ] قالوا هذا مُتعلِّق بقوله { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } [ النور : 35 ] كأنك تقول : نور على نور في بُيوت أذن الله أن تُرفع وهي المساجد . وهذه البيوت متصل فيها تسبيح الصباح بتسبيح المساء ، وعُمَّار هذه المساجد يُوصفون بأنهم { رِجَالٌ } [ النور : 37 ] نعم ومَنِ الرجال إذا لم يكن هؤلاء ؟ إذن : الحق سبحانه يعطينا النور المعنوي المتمثل في منهجه تعالى بافعل ولا تفعل ، وبهذا المنهج تستقيم بالبشر أمور الحياة ، لكن سرعان ما يحدث منهم غفلة أو نسيان أو انفلات من هذا المنهج فيقعون في المعصية ، وتطرأ عليهم أقضية جديدة ومشاكل بقدر انفلاتهم وما يُحدثون من الفجور ومخالفة المنهج . لذلك رأينا الرسل جاء الواحد بعد الآخر بمناهج مُترقِّية ، كل منهج منها يناسب القوم ويُصلح العلل الموجودة في هذا الوقت ، مع أن هذه الشرائع اتحدتْ جميعها في أمور العقائد والأخلاق ، وفي ثوابت الدين مثل الصلاة والزكاة ، ثم بعد ذلك يأتي الرسول بأحكام خاصة تناسب حال قومه وتعالج أدواءهم . والمتأمل في موكب الرسالات يجد الرسالات يجد أنها تتطور يتطوُّر حركة الحياة وما يستجد في حياة الناس من أقضية ، نحن مثلاً في الريف نجعل بين الحقول سكة ضيقة تسع مثلاً مرور شخص واحد ، أو حماراً محملاً ويُسمُّونها ، مدقّ غرضه أنْ نصل من خلاله إلى حقولنا لكن إنْ أردنا طريقاً بين قريتين نُوسعه بعض الشيء ليسع سيارة مثلاً ، فإن كان بين مدينتين كان أوسع . وهكذا رأينا تطوراً كبيراً في إنشاء الطرق تطوراً يناسب حركة الحياة التي تطورتْ ، انظر مثلاً طريق مصر الإسكندرية الصحراوي تجده طريقاً متسعاً واسعاً ليسع حركة المرور عليه ، وهو اتجاهان ذهاب وإياب ، به استراحات فيها كل ما تحتاجه لأنه طريق طويل . الحق سبحانه حدَّثنا عن هذه المسألة فقال : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً … } [ طه : 53 ] وسيدنا عمر لما أرادوا أن يُخططوا مدينة البصرة قال لهم : اجعلوا الطريق متسعاً لجملين محملين متقابلين ، وهذا هو ما نفعله في العصر الحديث . وفي سورة سبأ قال تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ٱلْقُرَى ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا ٱلسَّيْرَ سِيرُواْ فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ } [ سبأ : 18 ] . القرى الظاهرة هي المحطات في الطريق الطويل والاستراحات التي تجد فيها حاجتك وترتاح فيها ، فالطريق الطويل لا بدَّ أنْ يُقسَّم إلى مراحل ليكون السفر مريحاً غير شاق ، وكلما ارتقتْ حركة الحياة ترتقي معها هذه الوسائل ، حتى أننا نرى في بعض الاستراحات أماكن للراحة وللنوم . لذلك الحق سبحانه يحكي عن الذين تعدَّوْا وظلموا أنفسهم من الأعيان وأصحاب المراكب الفارهة حتى قالوا : { رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا … } [ سبأ : 19 ] لماذا مع أن السفر وبُعْد السفر مشقة ؟ قالوا : لأنهم أصحاب غِنى ومراكب لا تتوافر لغيرهم ، فأرادوا بذلك ألاَّ يقدر على السفر غيرهم ، ولا يسلُك هذه الطريق للتجارة إلا الأغنياء . هذا مثل للارتقاء أيضاً في التشريع ، فكلما جَدَّ جديد وكلما وجد أقضية جديدة ارتقى التشريعُ من رسول لآخر ليعالج هذه الأقضية ، إلى أنْ جاء التشريع الخاتم الصالح لكل زمان ومكان ، والذي قال الله عنه : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً … } [ المائدة : 3 ] . وقوله تعالى : { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] الكلام هنا عن القرآن ، جعله الله نوراً يهدي الله به مَنْ يشاء من عباده ، فأثبت أن الهداية لله بهذا النور المنزَّل في الكتاب المحكم . ثم أثبت أيضاً الهداية لرسول الله وفوَّضه في أنْ يُشرِّع للناس بدليل قوله تعالى : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ … } [ الحشر : 7 ] . فهداية الحق سبحانه في الأصول والثوابت وهي ما ورد في آيات الذكر الحكيم ، ثم هداية الرسول في الفروع ، وفي بيان هذه الأصول وشرحها ، فإنْ جَدَّ في حياتكم جديد ، وطرأ عليها من المسائل ما لم يأت بشأنه نَصٌّ ، لا من الكتاب ولا من السنة فأجمعوا أمركم وليكون الرأي شورى بينكم ، ولا تقضوا في هذه المسائل برأي الفرد ، إنما برأي الجماعة . لذلك ورد في الحديث : " لا تجتمع أمتي على ضلالة " . وما أجمل ما قاله شوقي رحمه الله : @ رَأْيُ الجَمَاعَةِ لاَ تَشْقَى البلادُ بِهِ رَغْم الخِلاَف ورَأْيُ الفَرْدِ يُشْقِيها @@ لذلك جعلوا الإجماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي . فهذه الآية أثبتت الهداية لله تعالى بالقرآن { وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا … } [ الشورى : 52 ] وهذه خاصة بالأصول وثوابت الدين التي ورد بها نص في كتاب الله . ثم أثبتت هداية أيضاً لرسول الله في الفروع ، وفي توضيح ما أُجْمِلَ في كتاب الله { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] وأعطتْ سيدنا رسول الله الحق وفوّضته في التشريع للناس ، لذلك كانت سنته صلى الله عليه وسلم هي المصدر الثاني للتشريع . وقلنا : إن هداية الحق سبحانه للعبد هدايةُ بيان وإرشاد ودلالة ، فإنْ أطاع استحقَّ هداية التوفيق والمعونة { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] وهداية رسول الله هداية إرشاد وبيان فقط ، وقد أوضحنا هذه المسألة . قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الشورى : 52 ] أي : ترشد وتدل ، والصراط المستقيم هو الطريق السَّوي المستقيم الذي يُوصِّلك إلى غايتك في أسرع وقت وبأقل مجهود ودون عناء ، لأن الطريق كلما اعوج ازداد زمنه ومشقته ، ثم إن هذا الطريق صراط يعني محدد مثل الشعرة ، وهذا يعني أنك لا بدّ أنْ تسير عليه بانضباط ، لا تنحرف عنه يميناً ولا شمالاً ، لذلك قال في موضع آخر { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } [ الممتحنة : 1 ] يعني : وسطه . والمراد بالصراط المستقيم المنهج الذي جاء به سيدنا رسول الله ، هذا المنهج الذي يصحبك في الدنيا لتستقيم به أمور حياتك ، ثم يعطيك الجزاء في الآخرة ، لذلك الحق سبحانه علّمنا أنْ ندعو ونقول : { ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ … } [ الفاتحة : 6 - 7 ] . ثم يوضح الحق سبحانه طبيعة هذا الصراط : { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي … } .