Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { أَرَأَيْتُمْ … } [ الأحقاف : 10 ] أخبروني أنتم إن كنتم شاهدتم { إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ … } [ الأحقاف : 10 ] الجواب تقديره : ماذا يحدث لكم ؟ والجواب معلوم : إنْ كان هذا القرآن من عند الله ومع ذلك كفرتُم به فلن تنالوا إلا غضبَ الله في الدنيا وعقابه في الآخرة . { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ … } [ الأحقاف : 10 ] الشاهد الذي شهد على صدق القرآن ، وأنه من عند الله هو عبد الله بن سلام ، وهو أحد أحبار اليهود وأسلم وشهد لمحمد وللقرآن . { عَلَىٰ مِثْلِهِ … } [ الأحقاف : 10 ] على مثل القرآن من الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل ، فهو مثلها من عند الله يدعو إلى ما دعتْ إليه من عبادة الله وتوحيده ، فكما نزلت التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى نزل القرآنُ على محمد صلى الله عليه وسلم ، وصفته ثابتة عندهم في التوراة . لذلك كان يقول عن رسول الله : والله لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لولدي ومعرفتي لمحمد أشد . نعم عرفه من العلامات التي وردت في كتبهم . يقول تعالى : { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ … } [ البقرة : 89 ] أي : القرآن { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ … } [ البقرة : 89 ] أي من قبل نزول القرآن { يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ … } [ البقرة : 89 ] لماذا ؟ لأنه سيسحب بساط السيادة والسلطة من تحت أقدامهم . وقال أيضاً فيهم : { وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ … } [ المائدة : 13 ] وإنْ كان لهم عذر في النسيان فليس لهم عذر في كتمان الكتاب وتحريفه ، بل كان منهم صنف { يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ } [ البقرة : 79 ] . إذن : اليهود نسُوا وكتموا وحرّفوا وبدّلوا ، لكن الحق سبحانه وتعالى لا بُدَّ أنْ يُوقعهم في أشياء تدل على فعلهم وتكون منافذ للحق ، فمثلاً في مسألة الذبيح عارضوا وقالوا : الذبيح إسحاق لا إسماعيل . والرد على هذا الادعاء أنْ نقول لهم : إنْ كان الذبيح إسحاق ، فلِمَ شُرعتْ مناسك الفداء ورَمْي الجمرات هنا ، ولم تُشرع في موطن إسحاق . وارجعوا إلى كتبكم أنتم ، ففي التوراة في الأصحاح الرابع والعشرين قال الله لإبراهيم : يا إبراهيم اصعد بابنك الوحيد جبل المرية وقدِّمه قرباناً لله ، وهل كان إسحاق وحيداً ؟ وفي الأصحاح الذي بعده مباشرة يقول : لقد وُلد إسحاق وعُمْر إسماعيل أربعة عشر عاماً . إذن : كلامهم متناقض تماماً مع ما في كتبهم ، وهذه منافذ للحق يُقيم بها الحجة عليهم . وقوله : { فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ … } [ الأحقاف : 10 ] أي : آمن هذا الشاهد في حين استكبرتم أنتم على قبول الحق ، وسبق أن ذكرنا قصة إسلام عبد الله بن سلام ، " وأنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله لقد أُشربَ قلبي حُب الإسلام ، ولكن اليهودَ قومٌ بهْت ، فإذا علموا ذلك قالوا : فيَّ ما ليس فيَّ ، فاسألهم عنى قبل أنْ أسلم . فلما اجتمعوا عند رسول الله سألهم : ماذا تقولون في ابن سلام ؟ فقالوا : هو سيدنا وابن سيدنا وحَبْرنا وابن حَبْرنا ومدحوه . عندها قال : أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقالوا : بل كذاب وكذا وكذا ، فضحك ابنُ سلام وقال : ألم أقُلْ لك يا رسول الله أنهم قوم بُهْت " وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأحقاف : 10 ] هذه الكلمة حَلَّتْ لنا إشكالاً وبيَّنتْ معنى الهداية ، لأن البعض يقول : إذا كان الله قد حكم على الكافر بالكفر ولم يهْد القوم الظالمين فلِمَ يُعذّبهم ؟ وهذه مغالطة . ولو كان السؤال منطقياً لأكمل الصورة ، فقال : ولِمَ يثيب الطائع وقد كتب له الطاعة ؟ وسبق أنْ أوضحنا في هذه المسألة أن الله تعالى هدى الجميع هدايةَ دلالة وإرشاد ، وهذا القسم يشمل المؤمن والكافر ، والطائع والعاصى ، فقد دلّ الله الجميع وبيَّن لهم الطريق المستقيم ، فمن أخذ بهذه الهداية وسار على نورها استحقَّ من الله المزيد . { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] وهذا النوع هو النوع الثاني من الهداية ، وهي هداية المعونة والتوفيق . فقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأحقاف : 10 ] يعني : لا يهديهم هدايةَ معونة ، لذلك قال عن ثمود : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ … } [ فصلت : 17 ] أي : هديناهم هدايةَ دلالة وإرشاد فاستحبُّوا العمى والضلال وفضّلوه على الهدى فأعانهم الله عليهم ، كما أعان أهل الهدى على هداهم . وتذكرون المثل الذي ضربناه سابقاً لتوضيح هذه القضية قلنا : لو أنك سألتَ رجل المرور مثلاً عن الطريق فدلَّك عليه فأخذتَ بقوله وشكرتَه فإنه يزيدك إرشاداً ، وربما ذهب معك حتى يُوصِّلك إلى غايتك . إذن : الحق سبحانه لا يهدي القوم الظالمين بسبب ظلمهم ، ولا يهدي القوم الفاسقين بسبب فِسْقهم ، ولا يهدي القوم الكافرين بسبب كفرهم . وقبل أن نتجاوز هذه الآية ينبغي أنْ نذكر هنا أن عبد الله بن سلام قبل أنْ يعلن إسلامه سأل رسول الله عن أشياء ثلاثة ، أراد بها أنْ يستوثق من صدق رسول الله ، فقال له : ما شرط الساعة أو علامتها ؟ قال : نار تخرج من قِبَل المشرق فتحشرهم إلى المغرب . قال : ما أول ما يأكل أهل الجنة ؟ قال زيادة كبد الحوت ، قال : متى ينزع الولد إلى أبيه ؟ ومتى ينزع إلى أمه ؟ أو : متى يأتي الولد ومتى تأتي الأنثى ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " إذا سبق ماءُ الرجل نزع الولد إلى أبيه ، وإذا سبق ماءُ المرأة نزع الولد إلى أمه " . وهذه المسألة الأخيرة أثبتها العلم الحديث وأثبتتها الأبحاث ، ودلَّتْ على الإعجاز في الحديث النبوي الشريف وعلى صدقه صلى الله عليه وسلم ، ذلك لأن الرجل والمرأة شركة في عملية الإنجاب . البعض يتصور أن العملية الجنسية هي التي تأتي بالولد ، لا فما هي إلا إثارة تُمكِّن الرجل من إخراج الميكروب المنوي ، أما ماء المرأة فلا دخْلَ له في الإنجاب ، كيف ؟ لأن البويضة التي تحتضن الميكروب ، لها مواعيد تنزل فيها بصرف النظر عن العملية الجنسية ، فهي موجودة إذن بطبيعة الحال ، فإنْ صادفت وجودها عملية جنسية تسابق ماءُ الرجل إليها وهي في مكانها . إذن : لا دخْلَ للبويضة في تحديد النوع كما أثبت العلم الحديث . وإذا فهمنا المعنى اللغوي لكلمة سبق تأكدنا من موافقة الحديث النبوي للعلم ، فالسبق يعني انطلاق المتسابقين من مكان واحد ، فنقطة الاندفاع واحدة إذن . نفهم من هذا أن التسابق بين الحيوان المنوي الذي يُمثِّل الذكورة والحيوان المنوي الذي يُمثِّل الأنوثة ، فأيهما سبق كان النوع له ، وعليه فدوْر المرأة أنها حاضنة لا يُلقيه الرجل . صحيح أن القرآن جاء كتابَ عقائد ومنهج وتشريع ، وهو أيضاً كتابُ إعجاز يمسّ الكونيات بقدر ما تتسع له العقول ، وخصوصاً أنه نزل في أمة أمية ، وهل بالله كان من الممكن أنْ يُقال في هذه الأمة إن الأرض كروية ، لو قلنا هذا في هذا الوقت لقالوا : كذب . لذلك يأتي القرآن بهذه الحقائق الكونية يُغلفها ليُؤجل فهمها إلى أنْ تنضج العقول وتستطيع إدراك هذه الحقائق ، ويترك للزمن وأحداثه أنْ يشرح هذه الآيات ، فإذا ما توصَّلنا إليها وجدنا لها دليلاً ونصاً من كلام الله . وهل فهم العرب الذين استقبلوا القرآن معنى قوله تعالى : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ … } [ النمل : 88 ] ؟ الجبال نراها في الواقع ثابتة مستقرة ، فمعنى مرورها أنها تدور بدوران الأرض . ونقرأ : { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ … } [ الزمر : 5 ] إذن : الأرض شبه كرة تدور . أعطانا الحق سبحانه هذه المعاني مغلفة حتى لا تفاجىء الناس فينصرفوا عن القرآن . فهذا الكون كله بآياته الكونية هو الذي يشرح لنا معنى قوله تعالى : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ … } [ فصلت : 53 ] والسين كما تعلمون تدل على الاستقبال . وهذا يعني أن هذه الآية سيظلّ معناها قائماً وله مددٌ من الآيات إلى قيام الساعة ، بحيث تتجلى الآيات وفقَ ما يتناسب وعقول الناس وتطوّر علومهم وإمكاناتهم . وقد شرح القرآن الكريم مسألة خَلْق الإنسان ، وشرح معنى كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم " إذا سبق ماءُ الرجل … " واقرأ قوله تعالى : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } [ القيامة : 37 ] . والنطفة هي الميكروب الذي يحمل الذكورة أو الأنوثة ، والمنيُّ هو السائل الذي يعيش فيه هذا المكيروب ، والمني من الرجل لا من المرأة . وهذا ما أثبته العلم ، لذلك سماه العلماء X XY يعني : الاثنان من الرجل . ثم يقول الحق سبحانه : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ … } .