Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 21-21)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى { وَٱذْكُرْ … } [ الأحقاف : 21 ] أي : اذكر يا محمد ، كأن هذا الذكر جاء لتذكير رسول الله بمواقف إخوانه من الرسل في موكب الإيمان ، يعني : انظر لمَنْ سبقك منهم ولما تحمّل في سبيل دعوته ، فأنت لستَ بدعاً في الرسل . نعم تحمَّلوا المشقة والأذى ، لكن صدق اللهُ وعده بنُصْرتهم في النهاية ، لذلك تلاحظ على أسلوب القرآن تعدُّد القصة الواحدة بتعدُّد الأحداث التي تمرُّ بالرسول ، يقول تعالى : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ … } [ هود : 120 ] . فكلّما حدث لرسول الله أمر مع قومه يُذِّكره الله بموقف من مواقف الرسل السابقين ليُطمئنه وليُثبِّت فؤاده على الحق ، وإذا كان كل رسول يتعرض للأذى على قدر مهمته فلا شكَّ أنك ستكون أشدَّ الرسل إيذاء لأنك الرسول الخاتم . وقوله : { أَخَا عَادٍ … } [ الأحقاف : 21 ] المراد سيدنا هود { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً … } [ الأعراف : 65 ] كلمة أخ تُجمع على إخوة وإخوان ، إخوة تعني أخوة النسب ، كما جاء في قوله تعالى : { وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ … } [ يوسف : 58 ] . إما إخوان فيُراد بها أخوة المنهج والدين والقيم كما في قوله تعالى : { إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [ الحجر : 47 ] فقوله : { أَخَا عَادٍ … } [ الأحقاف : 21 ] أخاهم في النسب ، وعاد هي القبيلة أو الأمة التي أُرِسلَ فيها سيدنا هود عليه السلام . والإضافة في { أَخَا عَادٍ … } [ الأحقاف : 21 ] تحنينٌ لهم وإثارة لمشاعر الرحمة والدم والواحد ، فالذي جاءهم ليس غريباً عنهم ، إنما هو أخ لهم ، وإنْ جاءهم منهج مخالف لما هُمْ عليه وأراد أنْ يُخرجهم عمَّا ألِفُوه من الضلال والفساد ، والأخ لا يغشّ أخاه سواء أكانتْ أخوتهم له للنسب ، أم للدين والمنهج والقيم . إذن : عليهم أنْ يستقبلوا دعوته بالحنان الذي تقتضيه الأخوة . { أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ … } [ الأحقاف : 21 ] عاد كانت جماعة من العرب البائدة ، وكانت تسكن الأحقاف في جنوب شبه الجزيرة العربية ، والأحقاف جمع حقف : وهو الرمل المستطيل الذي يعلو وينخفض ويتحرك يميناً وشمالاً ، وهنا وهنا . والرمل لنعومته تُحركه الرياح والأعاصير بسهولة ، حتى إن الهبَّة الواحدة من الإعصار في هذا المكان كانت تطمر قافلة وتغطيها في هذا الوادي ، لذلك لم تظهر آثار قوم عاد حتى الآن لأنها مطمورةٌ على مسافات بعيدة تحت الرمال . كذلك الآثار القديمة في كل مكان لا توجد إلا تحت الأرض في حفريات ، لأن عوامل التعرية تطمرها . لذلك ترى الواحد منا إذا سافر مثلاً وترك بيته لعدة شهور مثلاً يعود فيجده مُغطى بطبقة من التراب ، مع أنه مغلق بإحكام ، فما بالك في الخلاء مع هبوب الرياح والأعاصير . وفي سورة الفجر ، الحق سبحانه يعطينا طرفاً من تاريخ هذه الأمم وما حَلَّ بها من العذاب : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 6 - 14 ] . ونحن حتى الآن لا نعرف أين ديارهم ، ولا نعرف آثارهم إلا ما أخبرنا الله به ، ذلك لأنها تحت مسافات في باطن الأرض . وقوله تعالى : { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ … } [ الأحقاف : 21 ] فهو ليس أول الرسل إليهم ولا هو آخرهم ، فقد مضتْ الرسل { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ … } [ الأحقاف : 21 ] يعني : قبله { وَمِنْ خَلْفِهِ … } [ الأحقاف : 21 ] يعني : من بعده . والنُّذر جمع نذير ، وهو الذي يُخوّفك ويُحذِّرك من الشر قبل حلوله ، وفائدة الإنذار أنه ينبهك من الخطر قبل أنْ تقعَ فيه فتتجنبه ، ويجب أنْ يكون الإنذار قبل حدوث الشر بمدة كافية تمكِّنك من تدارك الأمر وتجنب الوقوع فيه . وقوله : { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ … } [ الأحقاف : 21 ] يعني : هذه القضية اتفق عليها جميع الرسل من قبل هود ومن بعده ، فكل الديانات ما جاءتْ إلا لخدمة هذه القضية ودعوة الناس إليها . والعبادة كما بينّا طاعة العابد لأوامر المعبود ونواهيه ، وهذا المعنى ينقض ويبطل عبادة غير الله ، فكلها آلهة باطلة وعبادتها باطلة لأنها آلهة بلا منهج وبلا أمر ولا نهي . فالشمس ، ماذا قالت لمَنْ عبدها ؟ بمَ أمرته وعمّ نهَتْ ؟ ماذا أعدتْ لمن عبدها من الجزاء ؟ وماذا أعدّت لمَنْ كفر بها ؟ فإنْ سألتَ لماذا عبدها الناس وعبدوا غيرها من الأشياء ؟ نقول : لأن التدّين غريزة في الإنسان منذ خلقه الله ومنذ كان في عالم الذر ، لكن التدين الحق له مطالب ومسئوليات تكبح جماح النفس وتُقيد شهواتها . لذلك لجأ البعض إلى عبادة تُرضي عندهم غريزة التدين وتُعفيهم من مطالب الدين الحق ، فراحوا إلى الآلهة الباطلة وعبدوها ، لأنها لا تلزمهم بشيء ولا تكلفهم شيئاً ، وتُطلق العنان لشهواتهم . وقوله : { إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [ الأحقاف : 21 ] هذا الخوف هو مقتضى الأخوة ، فالأخ حريص على مصلحة أخيه ، حريص على نجاته ، لذلك قال تعالى في سيدنا رسول الله : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . وهنا وصف يوم العذاب بأنه يوم عظيم ، أنتم فب دنياكم تصفون بعض الأشياء بأنها عظيمة ، وهذا العظمة في وجودكم المادي مردودة إلى الفناء مهما طال أجلها ، كذلك كل نعيم في الدنيا يُنغِّصه على صاحبه أمران : أنْ يفوته النعيم ، أو يفوت هو النعيم ويتركه بالموت . فوصف هذا اليوم بأنه عظيم لأنه دائم لا يزول ، ولا يموت صاحبه فيستريح منه .