Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 46, Ayat: 3-3)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ … } [ الأحقاف : 3 ] يعني : ما خلقتُ عبثاً ، إنما خلقتُ بنظام دقيق محكم لا يتغير ، وقلنا : الحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير ، كذلك خلقتُ لغاية ، لذلك انظر إلى السماء مثلاً ، خلقها الله من غير عَمَد . وهي كذلك منذ خلقها الله ، وسوف تظل إلى قيام الساعة على هذا الاستقرار ، وعلى هذا الثبات ، وعلى هذا الحق الذي خلقتْ به . كذلك الشمس هي الشمس ما احتاجت إلى صيانة ولا إلى قطعة غيار ولم يُصبها عطل ولا عطب ، لماذا ؟ لأنها خُلقتْ بالحق وبالعدل الذي لا يتغير أبداً ، لأنه بُني من أساسه على الحكمة ، ولو بُني هذا الكون منذ نشأته على غير الحكمة لأصابه العطب والخلل . إذن : خلقتُ السماوات والأرض من البداية على الحق ، حَقُّ مطلب لم يسبقه باطل ولم يسبقه خَلْق آخر تم تعديله ، بل هو منذ نشأته الأولى كذلك ، كما سبق أنْ قُلْنا في قوله تعالى وهو يحاور أعداء الإسلام ، فقال : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا … } [ التوبة : 40 ] . فالأولى جعل ، جعلها الله سفلى ، أما الأخرى فهي بطبيعة الحال ومنذ البداية هي العليا ، لذلك لم يقُلْ : وجعل كلمة الله هي العليا ، لأنها لم تكُنْ أبداً دنيا فجعلها الله عُلْيا . إذن : الباطل جعل ، والحق هو الحق ثابت منذ خلقه الله . وقوله : { وَأَجَلٍ مُّسَمًّى … } [ الأحقاف : 3 ] يعني : وقت معلوم هو يوم القيامة ، فهذا الخَلْق لم يخلقه الله ويتركه هملاً ، إنما لأجل محدود هو القيامة ، يوم يتغيَّر هذا الكون الثابت ، ويهدم كل ما فيه وينقض بناءه لبنةَ لبنةً . { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ … } [ إبراهيم : 48 ] يوم تكوَّر الشمس ويضيع القمر ، وتهدم كل أسباب العيش على الأرض . أما في الآخرة : { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا … } [ الزمر : 69 ] فليس هناك شمس ولا قمر ، فأنت في الدنيا تعيش بالأسباب ، أما في الآخرة فتعيش بالمسبِّب سبحانه . وقوله : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَمَّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } [ الأحقاف : 3 ] أي : منصرفون ، وقًُلْنا الإنذار : التخويف من الشر قبل أوانه ، وهو مظهر من مظاهر رحمة الله بعباده ولطفه بهم وحرصه على نجاتهم . فالذي يحذرك من الشر قبل أنْ تقع فيه محسن إليك . إذن : من رحمة الله بالناس أنْ أرسل إليهم الرسل مُبشِّرين ومنذرين ، وأنزل إليهم الكتب وبيَّن لهم العاقبة ، لكن ماذا تفعل فيمَنْ أعرض وانصرف عن هذا الإنذار ولم يلتفتْ له ؟ لذلك في سورة الرحمن جعل الحق سبحانه وتعالى الإنذار والتخويف نعمة من نِعَم الله التي تستوجب الشكر ، فقال سبحانه : { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 35 - 36 ] . فالتخويف بهذه الألوان من العذاب نعمة ، لأنك حين تخاف من العاقبة لا ترتكب الفعل الذي يؤدي إليها ، كما يقولون في الطب : الوقاية خير من العلاج ، كذلك البُعْد عن المعصية خير من مقاساة العقاب عليها .