Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 46, Ayat: 4-4)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يثبت أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء اتخذوهم بلا سابقة كمال أو سابقة نفْع ، فاتخذوا الأصنام آلهةً يعبدونها من دون الله وهم صانعوها بأيديهم . لذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لقومه : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات : 95 ] . ومعنى { أَرَأَيْتُمْ … } [ الأحقاف : 4 ] أخبروني ، إنْ كنتم رأيتم فأخبروني { مَاذَا خَلَقُواْ … } [ الأحقاف : 4 ] أي : هذه الآلهة المدَّعاة { مِنَ ٱلأَرْضِ … } [ الأحقاف : 4 ] وأتى بالأرض أولاً لأنها محلُّ إقامتهم ومسرح حركتهم { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ … } [ الأحقاف : 4 ] أي : مشاركة مع الله في عملية الخَلْق . الحق سبحانه وتعالى هو الذي أعلن : أنا خالق السماوات والأرض ، وهذا الإعلان سمعه هؤلاء المعاندون فهل عارضه أحد ؟ هل ادَّعى أحد أنه خلق هذا الكون ؟ إذن : لو كان لله شريك في الخَلْق لأعلن عن نفسه ، والعقل يقول إن الدعوى تثبت لصاحبها ما لمْ يقُم لها معارض . الحق سبحانه قال : لا إله إلا أنا ، ولا خالقَ غيري ولم نسمع مَنْ يعارض هذه المقولة ، إذن : هي لله وحده لا شريك له ولا منازع . ولو تأملتَ الخَلْق وما فيه من حِكَم ودقائق لعرفتَ أنه خَلْق الله وحده ، ولا يقدر غيره على هذا الإبداع ، فالخالق سبحانه خلق الصغير وخلق الكبير ، خلق الضخم وخلق النحيف ومع ذلك تجد في الصغير كلَّ خواصّ الكبير ، فالفيل يأكل ويتحرك ، والبعوضة تأكل وتتحرك . بل ربما قدرتَ على الفيل ، ولم تقدر على البعوضة ، لذلك قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ … } [ الحج : 73 ] نعم هل تستطيع أنْ تسترد ما أخذتْه الذبابة من طعامك ؟ { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } [ الحج : 73 ] . ومن مظاهر العظمة في الخَلْق أن الله خلق لنا هذه المخلوقات وذللها لخدمتنا ، ولولا أن الله ذلَّلها لنا ما قدرنا عليها ، تتعجب حينما ترى الطفل الصغير يقود الجمل ويحمل عليه الأشياء ، والجمل يطاوعه ، في حين أنك لا تقدر على البرغوث ولا تسيطر عليه ، وقد يُؤلمك ويقضّ مضجعك طوال الليل ، لماذا ؟ لأن الخالق سبحانه ذلَّل لك هذا ولم يُذلل لك ذاك . إذن : العظمة في الخلق التذليل ، لذلك قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } [ يس : 71 - 72 ] . وأنت حين تتأمل خَلْق الله تجد العظمة في كل شيء في الكبير والصغير ، لذلك كان المعارضون ينتقدون الحق سبحانه في أنه يتكلم عن البعوض والذباب والعنكبوت . فردَّ الله عليهم : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا … } [ البقرة : 26 ] قالوا : ما فوقها في الصغر لا في الكِبَر ، يعني : الميكروبات والفيروسات ودقائق المخلوقات التي لا تُرى بالعين المجردة . لذلك نجد الحق سبحانه يتحداهم : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ … } [ الحج : 73 ] . وقوله : { ٱئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَـٰذَآ … } [ الأحقاف : 4 ] أي : من قبل القرآن أخبركم بهذا { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ … } [ الأحقاف : 4 ] يعني : بقية من العلم الذي يؤُثر عن السابقين { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الأحقاف : 4 ] في دعواكم أنهم آلهة ، وأنهم شاركوا الحق سبحانه في مسألة الخَلْق .