Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 18-18)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحديث هنا عن الكافرين الذين لا يلتفتون إلى أدلة وجود الله في الكون ، ولا إلى معجزات الرسل فيؤمنون بهم ويصدقونهم ، ولا إلى أحكام الله فيعملون بها ، هؤلاء القوم ماذا ينتظرون ؟ { فَهَلْ يَنظُرُونَ … } [ محمد : 18 ] أي : ينتظرون { إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ … } [ محمد : 18 ] الساعة بالنسبة لهم يعني الموت ، لأن الزمن ينتهي بالنسبة للإنسان بالموت ، فمَنْ مات قامت قيامته ، والمرء لا يعرف أجله ولا متى يموت ، لأن الله أخفاه واحتفظ به لنفسه سبحانه ، فلا يطلع عليه أحد . إذن : طول العمر وقصره نحن لا دخْلَ لنا به ، ولا نتحكم فيه ، لأنه متروك لمن بيده الأعمار والآجال ، لكن بيدك عرضه بأنْ تشغل عمرك بعمل الخير ، وتوسِّع دائرة الخير في حياتك وتنفع الآخرين ، كما يمكنك أنْ تضيف لحياتك بُعداً آخر ، بأن تفعل من الخير ما يبقى ذكراً لك بعد موتك ، وذُخْراً لك عند ربك . فإذا علمتَ أن العمر نفسٌ يدخل ولا يخرج ، أو طرفة عين لا تعود كنت على حذر من أنْ تموت على معصية الله ، على حذر من أنْ تؤخر التوبة أو تسوِّف فيها ، لأنك لا تضمن متى يداهمك الموت . فحين تسمع نداء الصلاة قُمْ ولبِّ النداء ، ولا تقل الوقت طويل ، وسوف أصلي ، معك مال وتقدر أنْ تحج لا تقل أحج العام القادم ، لأنك إذا كنتَ لا تضمن عمرك لحظة ، فكيف تضمنه بعد عام ؟ صحيح ليس في تأخير هذه الأعمال عقوبة لكن يفوتك بالتأخير فضل الصلاة لوقتها وفضل الجماعة . لذلك ورد في الحديث الشريف : " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً " . البعض فهم من الحديث " اعمل لدنياك " أي : ما يكفيك طوال العمر ، لكن المراد بالعمل هنا : اعمل للدنيا على رسلك ولا تستغرق فيها ، وما فاتك منها اليوم تدركه غداً . يعني على مهل ولا تأخذ المسألة من أول صفقة . والذي يُعاب في السَّعي من أجل الدنيا أنْ تستحوذ الدنيا على كلِّ اهتمامك وتأخذ كل وقتك وتريدها على عجل . والأخطر من ذلك أن نستعين بالنعمة وبالمال على المعصية أو نروج السلعة بشيء محرم شرعاً ، فتنقلب النعمة في أيدينا إلى نقمة . لذلك يقول تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْراً … } [ إبراهيم : 28 ] ككثيرات من بناتنا الآن نراهن كايسات عاريات يُظهرنَ ما حباهن الله من جمال ، وبدل أنْ تشكر النعمة بصيانتها تَكْفُرها بتبرجها . وياليت الضال يضل في نفسه ، أنما الأدهى من ضلاله أنْ يكون مثالاً لغيره فتشيع الفتنة في المجتمع ، لذلك يقول تعالى في تتمة الآية : { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } [ إبراهيم : 28 ] ما هي دار البوار ؟ { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } [ إبراهيم : 29 ] . فهذه الفتن تعصف بالشباب خاصة في مراحل المراهقة وعدم وجود فرصة عمل وهم ما يزالون عالة على أهاليهم ، لذلك نقول لبناتنا : أتقين الله فالشباب معذور غلبان كفاه أنْ يدافع سُعار المراهقة ، فلا تُهيجنَّ فيه سعاراً جديداً بما تفعلْنَ من التبرج والسُّفور وعدم التحشم . وأذكر مرة أنهم أرادوا أنْ يكرموا أحد رجالهم البارزين فأقاموا له حفلاً وأحضروا فيه الراقصات وما إلى ذلك ، فقلت : سبحان الله أهكذا يكون تكريم البارزين عندنا ، ثم أمسكت بصاحبنا وقت له يا سلام الرقص الليلة كان حلواً ، فالبنت كانت تتشخلع بورع وتتثنَّى بتقوى ! ! إيه حكايتكم بالضبط ؟ نعم : { وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ } [ إبراهيم : 28 ] . وقوله تعالى : { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً … } [ محمد : 18 ] يعني : فجأة { فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا … } [ محمد : 18 ] أي : علاماتها وسماتها المميزة لها المنذرة بقربها ، وقد ذكر لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفاً من هذه العلامات ، فقال : " نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " . صحيح ، فالرأس على شكل مش عارف إيه والشفايف حمَّروها ، والحواجب دقَّقوها … إلخ يُغيِّرنَ خَلْق الله ويستعنَّ بنعمة الله على معصية الله ، وهذه من علامات الساعة . لذلك نسأل الله الهداية لبناتنا ، وأنْ تحفظ كُلٌّ منهن جمالها ، وأنْ تجعل حمد الله على النعمة طاعةً له سبحانه ، وألاَّ تجعل نعمة الله عليها مُسمَّمة بمعصيته وأقول لأولياء الأمور : اتقوا الله في البنات ولا تضطروهن للعمل في الإعلانات الخليعة لأنها محرمة ، ومَنْ يأكل منها إنما يأكل سُحْتاً من حرام . كذلك من أشراط الساعة التي أخبر بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا رأيت شُحاً مطاعاً ، وهَوى مُتبعاً ، وإعجابَ كل ذي رأي برأيه فانتظر الساعة " . وقال : " إذا وُسِّد الأمر لغير أهله فانتظر الساعة " وغير ذلك من العلامات . وقوله سبحانه : { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } [ محمد : 18 ] يعني : كيف أو من أين لهم التذكُّر وقد فات أوانه وباغتتهم القيامة ، أنّى لهم التذكر ، وأنّى لهم أنْ يستأنفوا عملاً صالحاً . ثم يختمها بقضية القضايا التي إنْ صَلُحَتْ صَلُح للإنسان كلُّ شيْ ، فيقول : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ … } .