Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 31-31)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الكلام هنا للمؤمنين الذين آمنوا بالله وصدَّقوا برسول الله ، يقول الله لهم { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ … } [ محمد : 31 ] نختبركم ونمتحنكم بالشدائد والمشاق . { حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ } [ محمد : 31 ] لنعرف مَنْ يثبت مع البلاء ممنْ هو في شكٍّ وتردد ، يريد الله أنْ يمحص المؤمنين ، وأنْ يختبر قوة إيمانهم وصبرهم وتحملهم للمشاق ، فعلى أكتاف هؤلاء ستقوم الدعوة وهي دعوة عالمية لا يصمد لها إلا راسخُ الإيمان ثابت العقيدة لا يتزعزع على حد قول القائل : @ وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقتَلُ مُسْلِماً عَلَى أيِّ جَنْبٍ كَانَ في اللهِ مَصْرَعِي @@ هؤلاء الذين حرصوا على الموت حرْصَ غيرهم على الحياة ، فأعطاهم الله منزلة الشهادة وبرّأهم من الموت بعد أنْ ضحوا بأرواحهم في سبيله ، ووصل حياتهم في الدنيا بحياتهم في الآخرة . وقوله : { وَٱلصَّابِرِينَ … } [ محمد : 31 ] أي : على المشاق مشاق الدعوة ومشاق التكليف ، وحين تتأمل حال هذه الأمة قبل الإسلام تجد كأن الله تعالى يُعدها لحمل رسالة الإسلام ، فهي أمة حرب وقتال ، تعلم فنونه وتجيد الكرّ والفر ، وهي أمة بدوية لا تستقر في مكان ، بل بيوتهم على ظهور الدواب ، وهي أمة أمية ليس لها نظام ولا قانون ولا منهج حياة . كل هذا أهَّلها لأن تحمل دعوة الحق إلى الدنيا كلها ، تحارب الباطل وتفقه الناس في دين الله ، قال سبحانه وتعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ … } [ التوبة : 122 ] . إذن : الإسلام في صراعه مع أعدائه يحتاج إلى قوتين للجهاد : قوة تجاهد لحفظ الكلمة ، وقوة تجاهد لإثبات صدق الكلمة ، لذلك كان الاختبار والابتلاء ضرورة ، والاختبار { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ … } [ محمد : 31 ] لا يُمدح ولا يُذم لذاته إنما بحسب نتيجته ، فالذي يدخل الاختبار وينجح نمدحه والذي يفشل نذمه . وقوله : { حَتَّىٰ نَعْلَمَ … } [ محمد : 31 ] الله يقول ذلك وهو يعلم ، إذن : المراد نعلم علم الواقع بالفعل ليكون الواقع حجة على صاحبه ، حتى لا يقول لو دخلت الاختبار لنجحت . وكلمة { وَٱلصَّابِرِينَ … } [ محمد : 31 ] دلتْ على أن في التكاليف مشقة وتضييقاً على النفس ، لذلك بعض الناس يتحملها ويصبر ، وبعضهم يضيق بها ويجزع . قال تعالى : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ … } [ النحل : 127 ] فالله هو الذي يعينك على الصبر بأن يبين لك عاقبته الحميدة . وقال سبحانه : { وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ } [ العصر : 3 ] تواصوا يعني يُوصي كلٌّ منكم الآخر به ، لأن الإنسان مرة يصبر ويتحمل ، ومرة يضعف ويجزع ، فمرة توصيني ومرة أوصيك ، وكلمة الوصية بلفظها لا تكون إلا في الشيء الغالي الثمين الذي يستحق الاهتمام ، ويستحق أنْ نحرص عليه .