Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 32-32)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إذن هؤلاء لم يكتفوا بأنْ كفروا في أنفسهم ، بل تعدَّوْا ذلك { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ … } [ محمد : 32 ] منعوا الناس أنْ يؤمنوا بالله ووقفوا في وجه الدعوة وحاربوها . ثم { وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ … } [ محمد : 32 ] يعني : خالفوه وعادوه ، بحيث كانوا في شق وهو في شق { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ … } [ محمد : 32 ] أي : الحق الواضح . والنتيجة { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً … } [ محمد : 32 ] . فهذه كلها محاولات فاشلة لن تغني عنهم شيئاً ، ولن تؤثر في مسيرة الدعوة ، لماذا ؟ لأن الحق سبحانه ما كان ليبعث رسولاً إلى الخلق ثم يُسلمه إليهم ليقتلوه ، هذه سنة من سنن الله في الكون لم يقتل رسول . نعم أخبرنا الحق سبحانه عن بني إسرائيل أنهم كانوا يقتلون الأنبياء ، ولم يُقلْ الرسل : { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ البقرة : 91 ] وتأمل هنا كلمة { مِن قَبْلُ } فليس لأحد من اليهود أو حتى من المسلمين أنْ يقول أنه من الممكن أن اليهود يقتلون رسول الله كما قتلوا أنبياءهم ، لأن هذا القتل كان قبل محمد . إذن : اطمئنوا لن ينالوا من رسول الله شيئاً ، فهذه الآية أحدثتْ اطمئناناً عند المسلمين ويأساً عند الكافرين من هذه المسألة ، وهم بالفعل قد حاولوا لكن هيهات لهم ذلك . ثم إن كفره في نفسه له جزاء ، وصده لغيره عن الإيمان له جزاء آخر ، لأنه ضَلَّ وأضل ، ونفهم من كلمة { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ … } [ محمد : 32 ] أن سبيل الله طريقٌ معتدل مستقيم يجذب الناس إليه بالمنطق المعتدل ، وبحلو الكلام ، وبالأسلوب الجميل الشيق الذي تلين له القلوب رغم غلظتها . فطبيعي من الكافرين أنْ يقفوا على هذه الطريق يمنعون الناس عن الإيمان وعن سماع القرآن ، لذلك حكى القرآن عنهم قولهم : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26 ] فهم على يقين من أن سماع القرآن سيؤثر فيهم ويعطف قلوبهم إليه . ولم يكتفوا بعدم السماع ، إنما { وَٱلْغَوْاْ فِيهِ … } [ فصلت : 26 ] شوِّشوا عليه حتى لا يصل إلى أسماع الآخرين ، ذلك لأنهم أهل لغة وأهل فصاحة يتذوّقون الألفاظ والأساليب وينفعلون لها . وقوله تعالى : { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 32 ] يعني : يبطلها ويجعلها غير ذات جدوى ، ومعنى أعمالهم أي : أعمالهم في الصدِّ عن سبيل الله ، أو أعمالهم الخيّرة التي فعلوها في الدنيا ، ومن أعمالهم أنهم كانوا ينفقون الأموال ليصدُّوا الناسَ بها عن الحق . وفي هذا يقول الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ … } [ الأنفال : 36 ] . فقد أنفقوا أموالهم دون فائدة أخذها الناسُ منهم وضحكوا عليهم ، كما يحدث عندنا مثلاً في الانتخابات ، يشترون الأصوات بالأموال ، فيأخذ الناسُ الأموالَ ولا يعطونم أصواتهم لأنهم لا يستحقونها . القسم الثاني من أعمالهم بعد المال هو القتال ، والقتال له واقع في صراعهم مع الحق ، والله يدعوهم : يا مَنْ تحملون السلاح لتشاقّوا الرسول ، اعتبروا من الواقع الذي أمامكم : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا … } [ الرعد : 41 ] ألم يروا أنَّ أرض الإسلام كلّ يوم في ازياد ، وأرض الكفر كل يوم في انحسار ونقصان . وفي بدر يقول سبحانه : { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ … } [ الأنفال : 7 ] طائفة العير التي تحمل البضائع والأموال وكان حُراسها قليلين ، وطائفة النفير التي خرجتْ لحماية القافلة والتي كان يقودها أبو سفيان . فكان المسلمون يريدون طائفة العير التي فيها الأموال ، لكن لله تعالى شأن آخر ، هم يريدون المال ، والله يريد إحقاقَ الحق وإعلاء كلمته ودحر الكفر ، وحتى لا تكون هناك شبهة تُؤخذ على المسلمين ، وأنهم ما خرجوا إلا للمال والغنائم التي تُعوِّض خسارتهم في مكة . يقول تعالى : { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ … } [ الأنفال : 7 ] أي : العير { وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ * إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } [ الأنفال : 7 - 9 ] . نعم لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه واستغاثه : " اللهم نصْرك الذي وعدتني ، اللهم إنْ تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض " وسيدنا أبو بكر يقول للرسول : يا رسول الله بعض مناشدتك ربك . وكان صلى الله عليه وسلم يتطلع إلى النصر على طائفة النفير ذات الشوكة لأنه لا يريد المال ، إنما يريد أنْ يُحقَّ الحق ويُزهقَ الباطل ، وعلى مقدار الصبر يكون المدد من الله ، فإنْ أردتَ أنْ تكبِّر المدد فكبّر الصبر وكبّر الرضى وكبّر العزيمة . الله تعالى لو شاء لانتصر منهم بدون قتال ، لكن أراد أنْ تُقاتلوهم لتُظهروا قوتكم وتفوّقكم عليهم { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [ التوبة : 14 ] ولو هزمهم بآية كونية من عنده سبحانه لقالوا : ظاهرة طبيعية كونية ، لا قدرة لنا عليها . كذلك في يوم حنين { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [ التوبة : 25 ] . فلما اغتر المسلمون بكثرة العدد لقَّنهم درساً يُؤدِّبهم به ، وتفوق عليهم أعداؤهم ، ثم تداركهم برحمته ، وكتب لهم النصر في نهاية المعركة ، ففي نفس اللقاء أدَّب المؤمنين برسول الله ، وأدَّب الذين شاقوا رسول الله . وهذا يُعلِّمنا درساً هو أن الهزيمة للمؤمنين ، ليست لهوانهم على الله ، إنما تربية لهم ليُصحِّحوا المفاهيم ويُعدِّلوا المسيرة ، وهذا الدرس واضح في غزوة أُحُد كما تعلمون . فلما خالفوا أوامر القائد هُزموا ، ولو انتصروا في هذه الغزوة لَهانَ عليهم بعد ذلك أمر رسول الله ، ولقالوا : خالفنا أوامره في أُحُد وانتصرنا . لذلك يقولون في هذه الغزوة : هُزِم المسلمون وانتصر الإسلام . إذن أحبط اللهُ أعمالهم في الجانبين ، جانب المال ، وجانب القتال .