Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 13-13)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تلاحظ أن النداءات السابقة كانت بيأيها الذين آمنوا ، لأنها توجيهات وتشريعات خاصة بالذين آمنوا ، لأن الله تعالى لا يُكلِّف إلا مَنْ آمن به . أما النداء هنا فنداء عام للناس جميعاً يلفت أنظارنا إلى آية الخَلْق ، وإلى عظمة الخالق سبحانه ، وهذا الآية تشمل الجميع ، فالخالق سبحانه خلق المؤمن والكافر ، والذكر والأنثى ، هما أصل هذا الخَلْق ، فالذكر وحده لا يتناسل ، وكذلك الأثنى وحدها . أما قوله تعالى في سورة السجدة : { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [ السجدة : 7 - 8 ] فهذا خاص بالخلق الأول ، وهو آدم عليه السلام ، حيث خلقه الله وصوَّره بيديه ، وكل شيء في الكون مقدور بقول : كُنْ فيكون . لذلك قال تعالى لإبليس : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ … } [ ص : 75 ] يعني : كيف لا تسجد لشيء أنا خلقته بيدي ، إذن : أنت لا تسجد لآدم إنما تسجد طاعة لمن أمرك بالسجود . وبعد أن خلق آدم من طين جعل ذريته من بعده { مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } [ السجدة : 8 ] وهذا يقتضي الزوجية بين الذكر والأنثى . وفي سورة النساء قال سبحانه : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ … } [ النساء : 1 ] أي آدم عليه السلام { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا … } [ النساء : 1 ] يعني : حواء . إذن : حينما يقول سبحانه : { مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ … } [ الحجرات : 13 ] لا يعني بداية الخلق ، إنما النسل الذي جاء بعد الخلق الأول . لذلك قال في آخر آية النساء : { وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً … } [ النساء : 1 ] وهؤلاء الرجال والنساء تفرقوا في أنحاء الأرض وصاروا { شُعُوباً وَقَبَآئِلَ … } [ الحجرات : 13 ] فالعرب شعب ، والروم شعب ، والفرس شعب ، ثم انقسمتْ الشعوب إلى قبائل ، والقبائل إلى بطون ، والبطون إلى أفخاذ وهكذا . وفي داخل الأسرة الواحدة تختلف الأسماء ، لأننا لا نترك الأشخاص بدون أسماء ليتم التعارف ، فهذا محمد وهذا أحمد وهذه فاطمة … والحكمة من ذلك هي { لِتَعَارَفُوۤاْ … } [ الحجرات : 13 ] على مستوى الأفراد وعلى مستوى الشعوب . والتعارف أمر ضروري بين البشر ، لأن مصالحهم في أنْ يتعارفوا ، وسوف تضطرهم ظروف الحياة لهذا التعارف ، حيث سيحتاج بعضهم إلى بعض ، لأنه كما قلنا : الحق سبحانه وزَّع أسباب فضله على خَلْقه ، فما توفر لك قد لا يتوفر لغيرك . لذلك رأينا مثلاً أوربا التي بلغت من الحضارة والتقدم مبلغاً تحتاج إلى سكان الصحراء رعاة الغنم والإبل حيث البترول وثروات الجبال من المعادن والأحجار الكريمة . وهذا الاختلاف في الفضائل يؤدي إلى أنْ يتعاون الخَلْق ويتساندوا ، بحيث يكمل بعضهم نقص بعض . إذن : اختلاف يؤدي إلى التكامل لا إلى التعاند . وهذا التكامل شاهدناه في آية خَلْق الرجل والمرأة ، فالرجل والمرأة ليسا ضدين ، بل هما عنصران متكاملان ، لأن لكل منهما مهمة لا يؤديها الآخر . والحق سبحانه أوضح لنا هذه المسألة بقوله تعالى : { وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [ الليل : 1 - 2 ] فهل يقول عاقل أن الليل ضد النهار ؟ ومثل الليل والنهار الذكر والأنثى ، لذلك أقسم بعدها بخلقهما ، فقال : { وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ الليل : 3 ] فالرجل لتحمُّل مشاقّ الحياة ، للكدح وللعمل ، والمرأة حنان وعاطفة ، وكل مُيسَّر لما خُلِق له . لذلك نعجب ممن ينادي بالمساواة بين الرجل والمرأة ، كيف ولكلٍّ منهما مهمته التي خُلق لها . والبعض يظلم النساء ويقول : ناقصات عقل ودين ، لأن العقل مهمته الترتيب والاختيار بين البدائل ، وهذه ليست مهمة المرأة بل مهمة الرجل الذي يدير دفة الأسرة في رحلة الحياة . أما المرأة فمهمتها عاطفية ، تحنو على الصغير والكبير ، وتفتح صدرها لتستوعب ، وتريح المتعب والمريض في أسرتها ، ومع ذلك نراها إذا ترملت قامتْ بالمهمتين وحلَّتْ محلّ الزوج ، وربما كانت أكثر نجاحاً في تربية الأولاد وصيانتهم . الحق سبحانه وتعالى خلق آدم من طين ، وسوَّاه ونفخ فيه من روحه ، لكن لم يخلق حواء بنفس الطريقة ، إنما أخذ من ضلع آدم جزءاً وخلق منه حواء ، لماذا إذن لم يخلقها كخَلْق آدم ؟ قالوا : خلقها من الرجل لتكون له القوامة عليها . كذلك في مسألة الحمل تأخذ منه البذرة ، ثم تكمل هي عملية النسل ، قال تعالى : { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا … } [ النساء : 1 ] . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " خُلقت المراة من ضلع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه " وكما شرف آدم بأن الله خلقه وسوّاه بيده ، كذلك شَرُفَتْ حواء أنها خُلقت من شيء خلقه الله بيده . والعالم الآن مشغول بعملية الاستنساخ ، وهو يعني أنْ نأخذ من الأصل نسخة مطابقة له ، كما نقول نسخ الكتاب . يعني : أنْ نأتي منه بصورة أخرى مثله ، وهذه العملية نراها في الجماد مثلاً ، نرى الزلط منه الكبير والصغير والمتوسط ، فهل رأينا زلطة مثلاً تكبر عن حجمها أبداً ، لماذا ؟ قالوا : لأن له مطامر تحت الأرض ، تتم فيها عملية التكاثر أو الاستنساخ هذه ، فإذا خرج إلى الهواء جَمُد على ما هو عليه . كذلك نجده في النبات ، فهل رأيتم مثلاً تقاوي القصب أو التين البرشومي ؟ أبداً ليس له تقاوي ، إنما نأخذ عقلة من عود القصب ونزرعها فتخرج عود القصب ، ونأخذ لوحاً من ألواح التين ونزرعه فيعطينا شجرة تين ، أليس هذا استنساخاً ؟ كذلك بالإمكان أنْ نجده في الحيوان ، وبالفعل تحدَّثوا عن استنساخ تم بالفعل في الحيوان ، كما حدث في النعجة دوللي . وهي محاولة على أية حال . أما في الإنسان فهي عملية لا يقدر أحدٌ عليها ، لأن الإنسانَ مختلف عن باقي أجناس الكون ، لأنه خليفة الله في الأرض ، وهو المخلوق المكرَّم وباقي الأجناس في خدمته ، فلو تصوَّرنا الاستنساخ في الجماد والنبات والحيوان فلا نتصوَّره أبداً في الإنسان ، لأن التكاثر فيه له شروط وضوابط لا مجرد استخراج نسخ مكررة منه . لذلك لا يتم التكاثر في الإنسان إلا من خلال اللقاء بين الزوجين الذكر والأنثى ، وداخل أسرة تحتضن الطفل وتحبه وتربيه وتعتني به ، لا يليق بالإنسان أنْ يخرج من مفرخة مثل مفرخة الكتاكيت مثلاً . لذلك نرى أن طفولة الإنسان هي أطول طفولة في المخلوقات كلها ، وعندنا من الأطفال مَنْ تبلغ طفولته حتى سنِّ 14 سنة ، أما الطيور والحيوانات فتعتني بصغارها حتى تستطيع الحركة والأكل ثم تتركها وكأنها لا تعرفها ، وربما ذُبح الحيوان أمام أمه وهي لا تدرى به . فكيف إذن نتصور الاستنساخ في الإنسان وهو الخليفة المكرّم ، إن الأديان كلها ترفض الزنا وتأبى أنْ يأتي الولد بطريق غير شرعي ، تأبى أنْ يُرمى المولود في الشارع ، أو حتى يُربى في الملاجىء ، فكيف الحال إذا تَمَّ استنساخه ؟ من هنا نقول : إن عملية الاستنساخ لا تكون أبداً في الإنسان ، ولا يقدر عليها إلا الله خالق الإنسان ، ويريد له الصلاح ، يريد له أنْ يأتي في أحضان أب يرعاه وأم تحنو عليه يأخذ منهما الفضائل ، ويتعلم منهما القيم . ثم إن نجاحهم في استنساخ الحيوان لا يعني أبداً الطعن في القدرة الإلهية ، بل هو دليل جديد من أدلة الإيمان بالقدرة ، فالذي استنسخ النعجة لم يأت بها من العدم ، إنما جاء بها من نعجة أخرى هي خَلْق من خَلْق الله ، والعقل الذي فكّر خَلْق من خَلْق الله . ثم يضع الحق سبحانه القاعدة التي بها تتفاضل هذه الشعوب وهذه القبائل ، فيقول : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ … } [ الحجرات : 13 ] أي : أن أشخاص الشعوب تتميز بالتقوى . لذلك ورد في الحديث القدسي : " يقول الرب : جعلتُ لكم نسباً وجعلتم لأنفسكم نسباً ، قلت : إن أكرمكم عند الله أتقاكم فأبيتُم ، وقلتم : فلان بن فلان . فاليوم - يعني : يوم القيامة - أرفع نسبي وأضع أنسابكم " . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ الحجرات : 13 ] عليم بخَلْقه ، يعطي كلاً منهم ما يناسب مهمته ودوره في حركة الحياة ، كما قال سبحانه : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] . فالله أعلم بخلْقه وأعلم بقدراتهم ومقدارهم ، ويسَّر كلاً منهم للعمل الذي يناسبه ، لذلك نراهم طبقات فيهم أستاذ الجامعة ، وفيهم الحداد والسباك والنجار وماسح الأحذية فيهم الصانع والزارع ، وإلا كيف تستقيم حركة الحياة لو أن الناس جميعاً ذكاترة جامعة ؟