Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 14-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأعراب : اسم جنس ليس له مفرد ، والأعراب هم سكان البادية لم يذهبوا إلى الحضر ، لذلك نجدهم على طبيعتهم تغلب عليهم الجفوة . والحق سبحانه يخبر عنهم أنهم قالوا { آمَنَّا … } [ الحجرات : 14 ] والله سبحانه أعلم أنهم لم يصلوا إلى درجة الإيمان لأن الإيمان ليس كلمة تُقال بل عقيدة راسخة تعمر القلب . أما الإسلام فهو الشكل الظاهري وعمل الجوارح من صوم وصلاة وغيرها من العبادات ، لذلك صحّح لهم القول ، وقال : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا … } [ الحجرات : 14 ] . يعني : تنفذون فقط أوامر الإسلام بعمل الجوارح ، إنما قلوبكم ليس فيها إيمان ، وساعة يقول لهم { لَّمْ تُؤْمِنُواْ … } [ الحجرات : 14 ] فهذا دليل على أنه صادف شيئاً في نفوسهم ، وهو سبحانه لا تخفى عليه من عباده خافية ، وهم يعلمون هذه الحقيقة . إذن : أخبرهم بواقع في نفوسهم ، يقول لهم : كونوا صادقين مع أنفسكم وقولوا أسلمنا والله يعلم غيبَ قلوبكم ، فهم في هذا الموقف أشبه بالمنافقين حيث كانوا يحرصون على الصلاة في الصف الأول ، يُنصتون لسماع القرآن ، وهذه كلها ظواهر والله يعلم سرائرهم ، ويعلم أنها خلاف ما يُظهرون . وقوله : { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ … } [ الحجرات : 14 ] لما أداة نفي مثل لم ، تنفي وقوع الحدث في الزمن الماضي على التكلم ، لكنها تعطي معنى آخر هو احتمال حدوث الفعل بعد ذلك ، كما تقول مثلاً حينما تدخل البستان : البستان لمَّا يثمر بعد . أي : أنه سوف يُثمر فيما بعد . لذلك العلماء قالوا في هذه الآية : أنها لم تُغلق في وجوههم باب الإيمان ، وبشَّرت بأنهم سيؤمنون فيما بعد ، ثم إن كشف القرآن لمستور قلوبهم وإخبار الرسول لهم بذلك هو الذي جعلهم يفكرون في الأمر ويقتنعون ويدخلون ساحةَ الإيمان . وقوله سبحانه : { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً … } [ الحجرات : 14 ] الحق سبحانه يُطمئنهم على ثمرة أعمالهم الصالحة ، فهي محفوظة لن تضيع بل لن تنقص . ومعنى { لاَ يَلِتْكُمْ … } [ الحجرات : 14 ] لا ينقصكم من الفعل : ألت يألت . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الحجرات : 14 ] وفي موضع آخر يقول : { وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ } [ سبأ : 2 ] فمرة يُقدم الرحمة ، ومرة يقدم المغفرة ، وذلك بحسب الحال . فمثلاً حينما يقف الجاني أمام السلطان مُقراً بذنبه ، لكن يلاحظ السلطان أنه رقيق الحال ، رثُّ الثياب ، مُصفر اللون فيشفق عليه ، ثم يأمر له بطعام وكسوة . وبعد ذلك يعفو عنه . هنا قدَّم الرحمة على المغفرة ، أو العكس يعفو عنه أولاً ، ثم قبل أنْ ينصرف من مجلسه يقول لرجاله : أعطوه كذا وكذا . وهذه المادة ألت وردتْ في موضع آخر في قوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ … } [ الطور : 21 ] فالكلام هنا عن جماعة مؤمنين ، وذريتهم تابعة لهم ، كذلك في الإيمان فهم مشتركون فيه ، فما ضرورة الإلحاق هنا ؟ قالو : ألحقناهم بهم في الثواب ، لأن لكل منهما عملاً ، لكن عمل الآباء أكثر ودرجتهم أعلى ، فكرامة لهم نلحق بهم الأبناء ونجعلهم جميعاً في منزلة واحدة ، فألحق الأدنى بالأعلى . وقوله : { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } [ الحجرات : 14 ] في ماذا ؟ تُطيعونه في الإيمان لأنهم كانوا بالفعل مسلمين ، فأراد أنْ يحثهم على الإيمان ويُبعدهم عن الكذب والادعاء .