Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 6-6)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أيضاً نداء خاص بالذين آمنوا ، وهو النداء الثالث بعد { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ … } [ الحجرات : 1 ] وبعد { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ … } [ الحجرات : 2 ] وهنا { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ … } [ الحجرات : 6 ] . ونلاحظ أن النسق القرآني لم يجمع بين هذه الأمور الثلاثة في نداء واحد ، ولم يستخدم أدوات العطف إنما خصَّ كل أمر منها بنداء خاص لمزيد التأكيد والاهتمام . ففي وصية سيدنا لقمان لابنه قال : { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . وقال : { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ } [ لقمان : 17 - 19 ] . إذن : خصّ مسألة العقيدة بنداء خاص لأهميتها ، وجمع عمل الجوارح في نداء واحد لأنها على مستوى واحد من الأهمية في الدين . إذن : نفهم من تكرار النداء بيأيها الذين آمنوا أنه يعطي أهمية خاصة لكل نداء . ومعنى { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ … } [ الحجرات : 6 ] الفاسق وصْف مأخوذ من قولنا فسقت الرطبة . يعني : خرجت عن قشرتها ، وخروج الرطبة عن قشرتها يُعرِّضها للحشرات وللآفات الضارة . كذلك المؤمن يُغلفه الإيمان ويحميه أنْ تصيبه آفات النفوس ، فإذا فسق يعني : خرج عن حدود الإيمان وشذَّ عنه أصابته الأمراض المهلكة ، لذلك قالوا عن الفاسق هو مرتكب كبيرة أو مجهول الحال . فإذا جاءك النبأ أي الخبر من مثل هذا من فاسق فلا تُسلم له بما قال ، إنما { فَتَبَيَّنُوۤاْ … } [ الحجرات : 6 ] يعني : تثبَّتوا من صحة هذا الخبر ومن صدَّقه . قف حتى تتبين وجه الحقيقة فيما سمعتَ حتى يكون حكمك على الأمور واقعياً ، ولا تأخذك العجلة والحمية فتقع في محظور { فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ الحجرات : 6 ] . الحق سبحانه يأمرنا بالتثبت هنا لأن الإنسان ابن أغيار كثير التقلب ، فربما اتصف بالصدق ، لكن كذب هذه المرة أو اتصف بالكذب ، لكن صدق هذه المرة ، فالتثبت احتياط واجب ، حتى يأتي الحكم والتصرف بعد ذلك موضوعياً ولا نقع في دائرة الظلم والتعدي على الآخرين . تبيَّن من خبر الفاسق لعله يكون من الأشياء التي عصى الله فيها ، لأن العصيان عنده سهلٌ ، فلو صدَّقته ربما تصيب قوماً لا ذنبَ لهم . { بِجَهَالَةٍ … } [ الحجرات : 1 ] وأنت تجهل حقيقة الأمر ، وعندها يصبح المصاب صاحبَ حق وأنت مُعتد فتندم على تعدِّيك وتجاوزك للصواب ، تندم لأنك جعلتَ مَنْ أسأته صاحبَ حَقٍّ عليك . وفرْق بين مَنْ يفعل الذنب بجهالة ومَنْ يفعله متعمداً ، وبحسب موقف النفس البشرية من المعصية يكون قبول التوبة ، وأذكر ونحن في فرنسا أن واحداً من الزملاء رُشِّح لأنْ يكون مبعوثاً إلى فرنسا ، هذا ذاهب إلى هناك لقصد العلم فقط وليس في باله أي أغراض أخرى ، وهناك سكن على طريقة الغرباء في أحد البيوت مع إحدى الأسر . وفي ليلة دخلت عليه بنت هؤلاء الذين يسكن معهم ، ربما قد يكون ارتكب معصية معها في هذا الموقف لكنه وقع فيه عن جهالة ودون أن يخطط له . على خلاف شخص آخر حينما يذهب إلى هذه البلاد يذهب وفي باله هذه المسائل ، وربما اتصل بمَنْ يعطيه عناوين أهل المعصية . لذلك يُحدد الحق سبحانه شروط التوبة المقبولة ، فيقول : { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [ النساء : 17 - 18 ] . والندم على المعصية أول مراحل التوبة ، لكن الأمر بالتثبُّت من خبر الفاسق ، أهو وعظ ابتداءً أم له سَببٌ نزل القرآنُ من أجله ؟ قالوا : بل له سببٌ وهو حادثة الوليد بن عقبة بن أبي معيط لما ولاَّه رسولُ الله جبايةَ أموال الزكاة من بني المصطلق . فلما ذهب إليهم خرجوا جميعاً لمقابلته والاحتفاء به حين علموا أنه رسول رسول الله ، لكنه خاف من جمعهم على هذه الصورة ، وخشي أنْ ينالوه بشرٍّ خاصة وقد كان له دية قديمة عندهم من أيام الجاهلية . ففرَّ عائداً إلى رسول الله وقال : يا رسول الله منعوني الزكاة ، فرسولُ الله تثبَّت من الأمر وسألهم فقالوا : بل خرجنا فرحاً به يا رسول الله ، ولو صدَّق رسولُ الله هذا الخبر لاعتبرهم مرتدين ، وربما كان حدث ما لا تُحمد عقباه . وروُي أن سيدنا رسول الله بلغه أن السيدة مارية القبطية أم إبراهيم لها ابنُ عم يزورها ويدخل عندها ، فأغضبه ذلك وقال لعلي : خُذْ هذا السيف واذهب إليه فإنْ وجدته فاقتله . فقال : يا رسول الله أنا في أمرك أأقتله . أم يرى الشاهد ما لا يرى الغائب ؟ انظر هنا إلى احتياط علي رضي الله عنه . فلما ذهب وجده عند مارية فهمَّ بسيفه ليقتله ، لكن الرجل أسرع إلى نخلة فصعد عليها بحيث لا يناله سيفُ علي ، ثم ألقى بنفسه على الأرض وفتح بين ساقيه حتى بانت لعلي أماكن عورته فرآه علي أمسحاً ، يعني : ليس له ما للرجال فكفَّ عنه . وذهب إلى رسول الله وأخبره الخبر فقال : صدقتَ يا علي ، يرى الشاهد ما لا يراه الغائب . ونفهم من هذه القصة أن الذي أخبر بها رسولَ الله فاسقٌ أراد الوقيعة والتشهير بأم إبراهيم .