Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 7-7)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الكلام هنا له علاقة بما حدث من مخالفة المسلمين لرأي رسول الله في الحديبية ، فالحق سبحانه يقول لهم { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ … } [ الحجرات : 7 ] كأنه يقول لهم احترموا وجوده بينكم فهو رسول الله ولا يخفى عليه شيء لأنه مُؤيَّد من الله ، والله يخبره بالواقع ، فليس علمه بالأمور كعلمكم . وكلمة { فِيكُمْ … } [ الحجرات : 7 ] تدل على الظرفية كما تقول : الماء في الكوب ، أو المال في الخزانة ، ومعلوم أن المظروف أغلى وأنفَسُ من المظروف فيه ، وأنتم ظرف لرسول الله ومنهج رسول الله لذلك قرأوا : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ … } [ التوبة : 128 ] بفتح الفاء . إذن : وجود رسول الله بينكم ميزة لكم وعصمة وحماية لأنه موصول بربه ، وهذه المسألة كان يعلمها كفار مكة وصناديدهم ، لكنهم غلبهم العناد والمكابرة وحجبتهم عن الإيمان . لذلك اجتمع في يوم من الأيام كلٌّ من أبي سفيان والحارث بن هشام وثابت بن قيس ، وكان بلال يؤذن للصلاة ، فقال ثابت : لقد رضي الله عن أبي حيث قبضه قبل أن يرى هذا المنظر ، يعني : أن بلالاً الحبشي الأسود هو الذي يؤذِّن لرسول الله ، وقال الحارث : أما رأى رسول الله غير هذا الغراب الأسود يُؤذِّن ، وقال أبو سفيان : والله أحب أنْ أقول يعني مثل قولكما ، لكني أخشى أنْ يخبر اللهُ رسوله بما أقول . إذن : كان هؤلاء القوم يعلمون صدق رسول الله ، لكن منعهم اللدد والعناد والكبر عن قبول الحق . أيضاً تعلمون أن سيدنا رسول الله قد زوَّج ابنتيه رقية وأم كلثوم لولدين من أولاد أبي لهب ، وكان هذا قبل البعثة ، فلما اشتدت العداوة بين أبي لهب ورسول الله أجبر أبو لهب ولديه على تطليقهما . وفي يوم قابل أحد هذين الولدين رسول الله في الطريق ونظر إليه ثم تفل وتنبه رسول الله لما فعل ، فدعا عليه وقال : يأكلك كلب من كلاب الله وبلغت هذه الدعوة أبا لهب فخاف على ولده ، وعندما خرج مع القافلة التجارية إلى الشام جمع رجالها وقال لهم : إذا عرَّسْتم - يعني أويتم للمبيت - فاجعلوا ولدي فلاناً بينكم ، فإنني أخشى عليه دعوة محمد . إذن : كان يعلم أن محمداً على الحق ، وأن دعوته ُمستجابة . وبالفعل جعلوه بينهم لما ناموا ، وسلط الله عليه أسداً حقيقاً اختطفه من بينهم . فصِدْق رسول الله كان معلوماً لهؤلاء ، وكانت ألسنتهم تغلبهم وتنطق بهذا التصديق ، من ذلك قولهم : { لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ … } [ المنافقين : 7 ] وأخبر الحق عنهم بقوله : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } [ النمل : 14 ] . وقوله تعالى : { لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ … } [ الحجرات : 7 ] ومن ذلك ما حدث منكم في الحديبية ، فلو أطاعكم في عدم الصلح { لَعَنِتُّمْ . . } [ الحجرات : 7 ] أصابكم العنت والمشقة والإثم . ومثلها قوله تعالى : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ … } [ التوبة : 128 ] يعزّ عليه أنْ يراكم في مشقة ، لأنه بكم رؤوف رحيم ، فإنْ رآكم على المعصية استغفر لكم ، وإنْ رآكم على الطاعة حمد الله ، هذا حتى بعد أنْ يموت . { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ … } [ الحجرات : 7 ] لكن هنا استدراك لما سبق ، يعني أن رسول الله لم يطعكم فيما ذهبتم إليه من التصميم على دخول مكة وأداء العمرة ، ولكن الله حبَّب إليكم الإيمان وزيَّنه في قلوبكم ، فعُدْتم إلى رأي رسول الله ولم تقضُوا أمراً خلاف أمره ورضيتم به . وهذا نتيجة هداية الله لكم ، وتحبيبه الإيمانَ وتزيينه في قلوبكم ، فلولا ذلك لخرجتم عن أمره وهلكتُم بعصيانكم له ، وفي نفس الوقت { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ … } [ الحجرات : 7 ] وهذا من أعظم نِعَم الله عليكم . { أُوْلَـٰئِكَ … } [ الحجرات : 7 ] أي : الذين اتصفوا بهذه الصفات فأحّبوا الإيمان وكرهوا الكفر والفسوق والعصيان ، أولئك { هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } [ الحجرات : 7 ] جمع راشد ، وهو الذي التزم طريقَ الحق والهداية فلم يَحِدْ عنه ، ومن ذلك قولنا : ترشيد النفقات وترشيد الاستهلاك ، يعني أنْ نضعه في موضعه المناسب .