Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 30-30)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولا يقال : طوعت الشيء إلا إذا كان الشيء متأبيا على الفعل ، فلا تقل : أنا طوّعت الماء ، وإنما تقول : طوّعت الحديد ، وقوله : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } فهل نفسه هي التي ستقتل وهي نفسه التي طوَّعَت ؟ ولننتبه هنا أن الإنسان فيه ملَكتان اثنتان ملكة فطرية تُحبّ الحق وتُحبّ الخير ، وَملَكَة أهوائية خاضعة للهوى ، فالملكتان تتصارعان . { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } كأن النفس الشريرة الأهوائية تغلبت على الخيّرة ، فكأن هناك تجاذبا وتصارعاً وتدافعاً لأن الإنسان لا يحب الظلم إن وقع عليه . لكن ساعة يتصور أنه هو الذي يظلم غيره فقد يقبل على ذلك . { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ } إنه لا يزال فيه بقيّة من آثار النُّبوة لأنه قريب من آدم ، ولاتزال المسألة تتأرجح معه ، والشر من الأخيار ينحدر ، والشر في الأشرار يصعد . فقد تأتي لرجل طيب وتثير أعصابه فيقول : إن رأيته لأضربنه رصاصة أو أصفعه صفعتين ، أو أوبِّخه ، والشرِّير يقول : والله إن قابلته أبصق في وجهه ، أو أضربه صفعتين ، أو أضربه رصاصة . إذن فالشر عند الشرِّير يتصاعد ، ويجد العملية لا تكفي للغضب عنده فيصعدها . إنما نفس الخير تُنفِّس عن غضبها وبعد ذلك ينزل عنها بكلمة ، ولذلك نلاحظ في سورة سيدنا " يوسف " : { إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } [ يوسف : 8 ] والعجيب أنهم جاءوا بالتعليل الذي ضدّهم كي يعرفك أن الهوى والغضب والحسد والحقد تقلب الموازين ، { وَنَحْنُ عُصْبَةٌ } هذه تدل على أنهم أقوياء . وهي التي جعلت أباه يعقوب يعطف على الضمير . أنتم تقولون : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا } نعم لأنه صغير ، وسألوا العربي : مالك تُحب الولد الصغير ، قال : لأن أيامه أقصر الأيام معي ، البكر مكث معي طويلاً ، فأنا أعوض للصغير الأيام التي فاتته ببعض الحب وأعطيه بعض الحنان ، قولهم : { نَحْنُ عُصْبَةٌ } هذه ضدهم ، مما يدل على أن الرجل ساعة تختلط عليه موازين القيم ، يأتي بالحُجّة التي ضده ويظن أنها معه ! وبعد ذلك يقولون : { إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يوسف : 8 ] واتفقوا . فبدأوا بقولهم : { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ } [ يوسف : 9 ] وقالوا : { أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً } [ يوسف : 9 ] ولأنهم أسباط وأولاد يعقوب تنازلوا عن القتل والطرح في الأرض وقال قائل منهم : { لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ } [ يوسف : 10 ] وهل يرتب أحد النجاة لمن يكرهه ؟ كأن النفس مازال فيها خير ، فأولا قالوا : { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ } هذه شدة الغضب . أو { ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً } يطرحونه أرضاً فقد يأكله حيوان مفترس ، فقال واحد : نلقيه في غيابة الجب ويلتقطه بعض السيارة ، إذن فالأخيار تتنازل . { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } . ونعرف الخسران قضية التجارة أن هناك مكسباً وهناك خسارة ، و " مكسب " أي جاء رأس المال بزيادة عليه ، و " الخسارة " أي أن رأس المال قد قلَّ ، فلماذا قتل أخاه وكان أخوه الوحيد وكان يأنس به في الدنيا ؟ إن هذا حدث من حكاية البنت . فقد أراد أن يأخذ أخته الحلوة ويترك الأخرى ، ولما قدّما القربان ولم يقبل منه تصاعد الخلاف وقتل أخاه ، إذن فَفَقد رأس المال ، بينما كان يريد أن يكسب { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } . ويقول الحق بعد ذلك : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً … } .