Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 10-14)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى { ٱلْخَرَّاصُونَ } [ الذاريات : 10 ] أي : الكذابون ، كما قال في آية أخرى : { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الزخرف : 20 ] لكن كيف يقول { قُتِلَ … } [ الذاريات : 10 ] وهم أحياء ، ؟ قالوا : المراد هنا لُعنوا مني وأبعدوا عن رحمتي ، والقتْل يُخرجك من نعيم الدنيا ، أما اللعن فيُخرجك من رحمة الله في الآخرة ويُدخلك في عذابه والعياذ بالله . كأنه سبحانه يقول لهم مَنْ تقتلون ومَنْ تلعنون ، بل أنتم الذين ستُقتلون وتُبعثون وتُحاسبون ، وأنتم الذين ستُلعنون وتُطردون من رحمة الله . ثم يصفهم سبحانه بقوله : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } [ الذاريات : 11 ] يقولون : غمره الماء إذا شمله وأغرقه ، فكأن هؤلاء غمرهم الجهل حتى غرقوا فيه فأعماهم ، ومعنى { سَاهُونَ } [ الذاريات : 11 ] غافلون لاهون منصرفون عما يُراد منهم . ومثل هؤلاء لا نجاة لهم يوم القيامة ، هذا اليوم الذي يُكذِّبون به ويسألون عنه سؤال الشك والاستهزاء { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } [ الذاريات : 12 ] متى هذا اليوم ؟ فيُبيِّنه الله لهم { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] يوم الدين الذي تكذبون به هو هذا اليوم الذي ستُلْقون فيه في جهنم وتذوقون فيه العذاب ألواناً ، جزاء استهزائكم وسخريتكم . { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ … } [ الذاريات : 14 ] ذوقوا آثار فتنتكم في الدنيا ، والنار أيضاً تُسمّى فتنة حين تُصهر المعدن مثلاً لتنقيه وتُخرج شوائبه . فيوم الدين الذي تسألون عنه سؤالَ استهزاء وإنكار له هو يوم تُفتنون على النار وتُحرقون بها كما يفتن الذهب والحديد ، وإنْ كان الذهب والحديد يفتن ليخرج منه خبثه وشوائبه فيصير صلْباً فأنتم تفتنون على النار لتعذَّبوا بها وتُقاسموا الآلام التي لا تنتهي . { هَـٰذَا } [ الذاريات : 14 ] أي : عذاب يوم القيامة { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } [ الذاريات : 14 ] واستعجالهم له نتيجة تكذيبهم به ، فلو آمنوا بأنه حَقٌّ ما استعجلوه . وقد حكى القرآن قولهم : { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ الأحقاف : 22 ] . إذن : سؤالهم عن يوم الدين { أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } [ الذاريات : 12 ] استهزاء به وإنكار له ، لأنهم يؤمنون بشيء غيبي أخبر الله عنه ، مع أنهم أخذوا النعم المادية التي أنعم الله بها عليهم ، وخلق بها النفع لهم ، لكنهم أخذوا النعمة ولم يلتفتوا إلى المنعم ، بل اغتروا بالنعمة فقالوا ما قالوا من إنكار واستهزاء . لذلك نجد آيات كثيرة تجادلهم بالحجة وبالبرهان ، وتثبت لهم أن القيامة حق ، فلما قالوا : { أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً } [ الإسراء : 49 ] رد عليهم : { قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ … } [ الإسراء : 50 - 51 ] . فلأنهم استبعدوا إحياء العظام نقلهم نقلة أعلى من العظام ، فالعظام لها أصل في الحياة ، فيقول لهم : حتى لو كنتم جماداً حجارة أو حديداً مما يتصف بالصلابة ولا صلةَ له بالحياة ، فنحن قادرون على إحيائكم . بعد أنْ تكلَّم الحق سبحانه عن المعاندين لرسول الله المكذبين بالقيامة يذكر سبحانه المقابل ، وقلنا في ذكر المقابل توضيح للصورة ، والضد يظهر حُسْنه الضد ، فيقول سبحانه : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ … } .