Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 41-42)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أيضاً هنا الواو عاطفة تعطف { وَفِي عَادٍ … } [ الذاريات : 41 ] على { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } [ الذاريات : 20 ] وعلى قوله : { وَفِي مُوسَىٰ … } الذاريات : 38 ] والمعنى : وفي عاد آية لكم ، فكأن القرآن يُسلِّي سيدنا رسول الله يقول له : لا تحزن من عناد قومك لك ، ووقوفهم في وجه دعوتك . فالعاقبة لك ، ومصيرهم سيكون مثل مصير أمثالهم من المكذِّبين للرسل السابقين ، فلك فيهم عبرة . { وَفِي عَادٍ … } [ الذاريات : 41 ] أتى باسم القبيلة ولم يذكر النبي . وفي موضع آخر قال : { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً … } [ الأعراف : 65 ] فذكر القبيلة لأنه يتحدث عن سوء عاقبتها وما نزل بها لما كذّبتْ نبيها ، وعاد عند الأحقاف . وقد قال الله فيهم : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ } [ الفجر : 6 - 8 ] ثم ذكر بعدها { وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } [ ص : 12 ] . فكأن حضارة عاد كانت أقوى وأعظم من حضارة الفراعنة ، لكنها مطمورة تحت التراب ، لأن الله أهلكهم بالريح فدفنتهم تحت الرمال ، ولا عجب في ذلك فهذه منطقة رملية إذا هبَّتْ فيها عاصفة فيمكن أنْ تطمر قافلة كاملة تبتلعها الرمال . لذلك نجد آثار هذه الأمم حفائر تحت الأرض . ومعنى { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [ الذاريات : 41 ] أي : الريح المدمرة المهلكة ، لأن الريح قد تهبُّ ليِّنة سلسة رقيقة ، وتسمى النسيم ، وقد تشتد فتكون إعصاراً مدمراً ، فهي آية من آيات الله تكون نعمة ونقمة . الريح هي الهواء الذي نتنفسه ، وهو أهم عنصر في عناصر استبقاء الحياة ، ولو مُنع عن الإنسان يموت ولو نَفَس واحد ، والهواء عنصر أساسي في تكوين الماء وبه تسير السُّحب وينزل المطر ، وبه يحيا الحيوان والنبات وهو الذي يُلقِّح الثمار والمزروعات . وسبق أنْ قلنا إن الريح تأتي في الشر وفي الهلاك ، أما الرياح بالجمع فتأتي في وجوه الخير ، فقال هنا { ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } [ الذاريات : 41 ] أي المدمِّرة ، وقال : { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ … } [ الحجر : 22 ] . ووصف الريح هنا بأنها عقيم ، لأنها لا فائدةَ منها ولا تأتي بخير ، لا مطر ولا لقاح ، إنما تأتي بالشر والخراب . وقوله تعالى : { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [ الذاريات : 42 ] معنى : تذر أي : تترك ومثله الفعل تدع ، وكل منهما مضارع ليس له ماض في اللغة إلا في قراءة : { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ } [ الضحى : 1 - 3 ] في قراءة مَا ودَعَكَ بفتح الدال من غير تشديد . أما الفعل يذر فليس له ماضٍ ، فهذه الريح لا تأتي على شيء ولا تمر على شيء إلا أهلكته وتركته { كَٱلرَّمِيمِ } [ الذرايات : 42 ] وهو الشيء الجاف الذي تفتت وصار هباءً تذروه الرياح .