Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 52-53)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { كَذَلِكَ … } [ الذاريات : 52 ] أي : كما حدث لمَنْ تقدم ، وحصل لهم ما حصل من نزول العذاب بهم بالصاعقة وبالريح العقيم فانتظر أنْ ينزل بهم مثل هذا ، فما هم عنه ببعيد ، ولا تحزن فلستَ أول رسول يُكذِّبه قومه { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ الذرايات : 52 ] . وسبق أن اتهموا رسل الله بالسحر وبالجنون ، فاصبر { فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [ غافر : 77 ] . يعني : إن لم ينزل بهم العذاب في الدنيا فهو ينتظرهم في الآخرة . وقد رحم الله هؤلاء المكذِّبين لرسوله رغم كفرهم وعنادهم تقديراً لوجود رسول الله بينهم ، وهذا هو معنى قوله تعالى : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الأنفال : 33 ] . وقد كان سيدنا رسول الله حريصاً على هداية قومه مهما حدث منهم ، وكان يناجي ربه دائماً يقول : أمتي أمتي . وسبق أنْ بيَّنا بطلان هذا الاتهام ، فالنبي لا يكون أبداً ساحراً ولا مجنوناً ، فهاتان الصفتان أبعد ما تكونان عن وصف النبي ، لأنه قدوة في السلوك وما شاهدتم عليه أبداً علامة من علامات السحر أو الجنون . ولو كان ساحراً لسحركم فآمنتم به كما آمن غيركم ، ولو كان مجنوناً لما استطاع ترتيب الأمور على هذه الصورة ولما بلَّغكم رسالة ربه ، ثم إن الاتهام بالسحر ينافي الاتهام بالجنون ، فكيف جمعتم عليه هاتين الصفتين ؟ لذلك يقول تعالى بعدها : { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ … } [ الذاريات : 53 ] كأن الأمم المكذِّبة على مَرِّ التاريخ أوصى بعضهم بعضاً بهذا القول : قولوا للنبي ساحر ومجنون ، وكأنه اتفاق مسبق بينهم وإصرار منهم على تكذيب الرسل ، والتمادي في اللدد والعناد . لذلك يُضرب الله عنهم وعن اتهاماتهم ، ويقول : { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الذاريات : 53 ] أي : دعْكَ من هؤلاء ، فهم قوم طاغون . أي : متجاوزون للحدود .