Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 101-101)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والحق سبحانه وتعالى قال في آيات أخرى : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [ غافر : 57 ] . فإن كنت ترى في نفسك عجائب كثيرة ، وكل يوم يعطيك العلم التشريحي أو علم وظائف الأعضاء سرا جديدا فلا تتعجب من هذا الأمر لأن السماء والأرض إيجاد من عدم ، وسبحانه هنا يقول : " بديع " أي أنه - سبحانه - خلقهما على غير مثال سابق ، فمن الناس من يصنع أشياء على ضوء خبرات أو نماذج سابقة ، لكن الحق سبحانه بديع السمٰوات والأرض ، وقد عرفنا بالعلم أن الأرض التي نعيش عليها وهي كوكب تابع من توابع الشمس ، وقديما كانوا يقولون عن توابع الشمس إنها سبعة ، ولذلك خدع كثير من العلماء والمفكرين وقالوا : إن السبعة التوابع هي السمٰوات ، فأراد الحق أن يبطل هذه المسألة بعد أن قالوا سبعة . فقد اكتشف العلماء تابعا ثامنا للشمس ، ثم اكتشفوا التاسع ، ثم صارت التوابع عشرة ، ثم زاد الأمر إلى توابع لا نعرفها . وأين هذه المجموعة الشمسية من السمٰوات ؟ وكلها مجرد زينة للسماء الدنيا ، وعندما اكتشفت المجهر والآلات التي تقرب البعيد رأينا " الطريق اللبني " أو " سكة التبانة " ووجدناها مجرة وفيها مجموعات شمسية لا حصر لها ، وجدنا مليون مجموعة مثل مجموعتنا الشمسية . هذه مجرة واحدة ، وعندنا ملايين المجرات ، ونجد عالماً في الفلك يقول : لو امتلكنا آلات جديدة فسنكتشف مجرات جديدة . ولنسمع قول الله : { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ] . إذن يجب أن نأخذ خلْق السمٰوات والأرض في مرتبة أهم من مسألة خلق الناس . { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الأنعام : 101 ] . وما دام سبحانه بديع السمٰوات والأرض ، وهو بقدرته الذاتية الفائقة خلق السمٰوات والأرض الأكبر من خلق الناس ، إذن فإن أراد ولداً لطرأ عليه هذا الابن بالميلاد ، ولا يمكن أن يسمى ولداً إلا إذا وُلد ، وسبحانه منزه عن ذلك ، ثم لماذا يريد ولداً ، وصفات الكمال لن تزيد بالولد ، ولم يكن الكون ناقصاً قبل ادّعاء البعض ان للحق سبحانه ولداً ، إن الكون مخلوق بذات الحق سبحانه وتعالى ، والناس تحتاج إلى الولد لامتداد الذكرى ، وسبحانه لا يموت مصداقاً لقوله : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] . والبشر يحتاجون إلى الإنجاب ليعاونهم أولادهم ، وسبحانه هو القوي الذي خلق وهو حي لا يموت لذلك فلا معنى لأن يُدّعى عليه ذلك وما كان يصحّ أن تناقش هذه المسألة عقلا ، ولكن الله - لطفا بخلقه - وضّح وبين مثل هذه القضايا . يقول جل وعلا : { وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ } . وماذا يريد الحق من الصاحبة ؟ إنه لا يريد شيئاً ، فلماذا هذه اللجاجة في أمر الألوهية ؟ . فلا الولد ولا الصاحبة يزيدان له قدرة تخلق ، ولا حكمة ترتب ، ولا علما يدبر ، ولا أي شيء ، ومجرد هذا اللون من التصور عبث ، فإذا كان الشركاء ممتنعين ، والقصد من الشركاء أن يعاونوه في الملك إله يأخذ ملك السماء ، وإله آخر يأخذ ملك الأرض . وإله للظلمة ، وإله للنور . مثلما قال الاغريق القدامى حين نصّبوا إلهاً للشر . وإلهاً للخير ، وغير ذلك . والحق واحد أحد ليس له شركاء يعاونونه فما المقصود بالولد والصاحبة ؟ أعوذ بالله ! ألا يمتنع ويرتدع هؤلاء من مثل هذا القول : { وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فسبحانه هو الخالق للكون والعليم بكل ما فيه ولا يحتاج إلى معاونة من أحد . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ … } .