Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 102-102)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

انظر التقديم بكلمة رب ، قبل " لا إله إلا هو " كلمة " رب " هذه هي حيثية " لا إله إلا هو " لأن إلهاً تعني معبودا ، ومعبودا يعني مُطاعا ، ومطاعا يعني له أوامر ونواهٍ ، ولماذا ولأي سبب ؟ . السبب أنه الرب المتولي الإيجاد والتربية . ومن الواجب والمعقول أن نسمع كلامه لأنه هو الرّب والخالق وهو الذي يرزق ، بدليل أننا حين نسأل أهل الكُفْر في غفلة شهواتهم : من خلق السمٰوات والأرض ؟ تنطق فطرتهم ويقولون : الله هو الذي خلق السمٰوات والأرض . أما إن كان السؤال موجها في محاجاة مسبقة فأنت تجد المكر والكذب . وحين تريد أن تنزع منهم قضية صدق وتضع وتبطل قضية كذب فلتأخذهم على غفلة ودون تحضير فيقولون إن الذي خلق هو الله . ورأينا الآلات التي صمموها ليكتشفوا الكذب ، وليروا العملية العقلية التي تجهد الكذاب ، أما صاحب الحق فلا يُجْهد لأن صاحب الحق يستقرئ واقعا ينطق به ولا يصيبه الجهد ، لكن الذي يكذب يجهد نفسه ويتردد بين أمور ويضطرب ولا يدري بأيها يأخذ ويجيب بإجابات متناقضة في الشيء الواحد . { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [ الأنعام : 102 ] . وما دام هو خالق لكل شيء وهو الباقي فهو الأحق بالعبادة لأن العبادة - كما قلنا - معناها طاعة الأمر وطاعة النهي - ومادام سبحانه الذي خلق فهو الذي يضع قانون الصيانة للإنسان والكون ، وإن خالفت المنهج يفسد الكون والإنسان ، وإذا فسد الكون أو الإنسان فأنت تلجأ إلى منهج الخالق لتعيد لكل منهما صلاحيته لذلك هو الأولى بالعبادة . { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } . وهذه شهادة شهد بها لذاته قبل أن يخلق كل شيء ، وقبل أن يخلق الملائكة ، وشهدت بها ملائكته ، وشهد بها أولو العلم . { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [ آل عمران : 18 ] . إذن فالله شهد بألوهيته من البداية ، ومن أسمائه " المؤمن " ونحن مؤمنين بالله ، وربنا المؤمن بأنه إله واحد ، وهذا الإيمان منه أنه إله واحد ، يخاطب كل شيء يريده وهو يعلم أن أي شيء لا يقدر أن يخالفه ، إنه يخاطبه بقوله : " كن فيكون " ولأنه إله واحد يعلم أن أحداً أو شيئاً لم يخالفه ، لذلك يباشر ملكه وهو العليم بأن الغير خاضع لأمره ولا يمكن أن يتخلف عن مراداته ، أو نقول : " المؤمن " لما خلق ولمن خلق ، أي منحهم الأمن والأمان فهو سبحانه القائل : { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [ قريش : 4 ] . لقد أوضح الحق سبحانه لنا : أنتم خلقي فإن أخذتم منهجي أطعمكم من الجوع وآمنكم من الخوف . { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } . إذن فالمنطق يفرض علينا عبادته سبحانه ، والأمر المنسجم مع المقدمة ، أن لا رب ، ولا إله إلا هو ، إنه خالق كل شيء لذلك تكون عبادته ضرورة ، ويتمثل ذلك أن تطيعه فيما أمر ، وفيما نهى . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [ الأنعام : 102 ] . وهذه دقة الأداء البياني في القرآن ، فنحن في أعرافنا نقول : فلان وكيل لفلان أي يقوم لصالحه بالأمور التي يريدها ، وسبحانه ليس وكيلاً لك ، بل هو وكيل عليك لأن الوكيل لك ينفذ أوامرك ، لكن هو وكيل عليك ، مثل الوصي على القاصر هو وكيل عليه ، ويقول للقاصر : افعل كذا فيفعل ، وسبحانه وكيل علينا ، ولذلك نحن نطلب منه وهو الذي يستجيب لدعائنا بالخير ، فلا ينفذ رغباتنا الطائشة ، ونجد الأحمق من يقول : لقد دعوت الله ولم يستجيب لي ، ونقول : إنك تفهم الاستجابة أنها تؤدي لك مطلوبك ، وسبحانه أعلم بما يناسبك لأنه وكيل عليك ويعدل من تصرفاتك ، وساعة تطلب حاجة ، إن كان فيها خير يعطيها لك ، وإن كنت تظن أنها خير ، لكنها ستأتي بالشر لا يعطيها لك . وعلى من يدعو ألا يتعجل الإجابة . قال صلى الله عليه وسلم : " يستجاب لأحدكم مالم يَعْجَل ، يقول : قد دعوت فلم يستجب لي " . { وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي سواء أكان هذا الشيء مختاراً أم غير مختار لأن المختار قد يختار شراً ، ولأن الله وكيل عليه يقول له : لا ، وغير المكلف ولا اختيار له ، مقهور لإرادة الله مثل النار ، فهي مأمورة أن تحرق ، لكنه أمرها ألا تحرق سيدنا إبراهيم وتبقيه سليماً . وتأتي الآية التالية لتؤكد دواعي عظمته سبحانه فيقول : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ … } .