Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 148-148)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكلما تقرأ آية فيها " سيقول " فاعلم أنها تنطوي على سرّ إعجازي للقرآن ، والذي يعطي هذا السرّ هو الخصم حتى تعرف كيف يؤدي عدوّ الله الدليل على صدق الله ، مما يدل على أنه في غفلة . ومن قبل قال الحق سبحانه : { سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ … } [ البقرة : 142 ] . و " سيقول " معناها أنهم لم يقولوا الآن ، ويخبر القرآن أنهم سيقولون ، ولم يخبئ ويستر القرآن هذه الآية ، بل قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآناً يُقرأ ويُصلى به . ولو أن عندهم شيئاً من الفكر لكانوا يسترون القول حتى يُظهروا المتكلم بالقرآن بمظهر أنه لا يقول الكلام الصحيح ، أو على الأقل يقولون إنه يقول : " سيقول السفهاء " ، ونحن لسنا بسفهاء فلا نقول هذا القول . لكنهم يقولون القول السفيه برغم أن الآية قد سبقتهم بالتنبؤ بما سوف يقولون لأن الذي أخبر هو الله ، ولا يمكن أن يجيء احتياط من خلق الله ليستدرك به على صدق الله . هم سمعوا الكلمة ، ومع ذلك لم يسكتوا بل سبقتهم ألسنتهم إليها ليؤيدوا القرآن . وكل مسرف على نفسه في عدم اتباع منهج الله يقول : إن ربنا هو الذي يهدي وهو الذي يضلّ ، ويقول ذلك بتبجح ووقاحة لتبرير ما يفعل من سفه . وسيظل المسرفون على أنفسهم وكذلك المشركون يقولون ذلك وسيحاولون تحليل ما حرّم الله . وقد جاء المشركون بقضيتين : قضية في العقيدة ، وقضية في التكليف قالوا في قضية العقيدة : { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } ، وكأنهم أشركوا بمشيئة الله . وجاءوا إلى ما حرموا من حلال الله وقالوا إنهم قد فعلوا ذلك بمشيئة الله أيضاً ليوجدوا لأنفسهم مبرراً ، وهذا القول ليس قضية عقلية لأنها لو كانت وقفة عقلية - لكانت في الملحظين : الخير والشر ، فالواحد منهم يقول : كتب ربنا علينا - والعياذ بالله - الشر ، لماذا يعذبني إذن ؟ ! ولا يقول هذ الإنسان " وكتب الله لي الخير " . هذا ما كان يفرضه ويقتضيه المنطق لكنهم تحدثوا عن الشر وسكتوا عمَّا يعطى لهم من خير . وقولهم { لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } صحيح المعنى لأنه سبحانه لو شاء أن يجعل الناس كلهم مهديين لفعل ، لكنه شاء أن يوجد لنا اختياراً ، وفي إطار هذا الاختيار لا يخرج أمر عن مشيئته الكونية . بل يخرج الكفر والشر عن مراده الشرعي . وعلمنا من قبل أن هناك فرقاً بين الكونية والشرعية فكفر الكافر ليس غصباً عن الله أو قهراً عنه سبحانه ، إنما حصل وحدث بما أعطاه الله لكل إنسان من اختيار ، فالإنسان صالح للاختيار بين البديلات : { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ … } [ الكهف : 29 ] . فالإنسان قادر على توجيه الطاقة الموهوبة له من الله الصالحة للخير أو الشر . إذن فاختيار الإنسان إما ان يدخله إلى الإيمان وإما أن يتجه به إلى الكفر ، لذلك يقول الحق عن الذين يدّعون أن كفرهم كان بمشيئة الله : { كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا … } [ الأنعام : 148 ] . والسابقون لهم قالوا ذلك وفعلوا مثل ما يفعل هؤلاء من التكذيب وجاءهم بأس وعذاب من الله شديد ، ولذلك يأمر الحق محمداً صلى الله عليه وسلم : { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } [ الأنعام : 148 ] . ويسألهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم عن علم يؤكدون به صحة ما يدعونه … ويزعمونه أي هل عندكم بلاغ من الله ، والحق أنهم لا علم لديهم ولا دليل ، إنهم يتبعون الظن ، ويخرصون ، أي أن كلامهم غير واضح الدلالة على المراد منه ، إنه تخمين وظن وكذب . لذلك يقول سبحانه : { قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ … } .