Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 160-160)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هناك " حسن " ، و " حسنة " ولا تقل : إن حسنة هي مؤنث حسن ، لأن فيها تاء . كأنها تاء التأنيث ، ولكن اسمها " تاء المبالغة " تأتي على اللفظ الذي للذكر ، مثلما تقول : " فلان علاّمة " ، " فلان راوية للشعر " وفلان نسَّابة . هذه هي تاء المبالغة . والحسنة هي الخير الذي يورث ثواباً ، وكلما كان الثواب أخلد وأعمق كانت الحسنة كذلك . وإذا قال الحق سبحانه وتعالى : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } . فـ " أمثالها " جمع " مثل " ، والمثل مذكر ، والقاعدة تقول : حين يكون المعدود مذكراً نأتي له بالتاء ، وحين يكون مؤنثاً نحذف التاء لأن أصل الأعداد مبني على التاء ، لأنك عندما تعد تقول واحد ، اثنان ثلاثة إلى عشرة فأصل الأعداد مبنيٌّ على التاء ، وإذا استعملته مع المؤنث تخالف بحذف التاء فيه ، وإن استعملت العدد مع الأصل وهو المذكر ، تستعمله على طبيعته فتقول : " ثلاثة رجال " . وإذا أردت أن تتكلم عن الأنثى ، تقول : " ثلاثة نسوة " ، والحق هنا يقول : { فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } ، و " مثل " - كما قلنا - مذكر . والحق لم يجعل الأصل في العطاء هو " المثل " ، بل جعل الأصل هو الحسنة : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا } [ الأنعام : 160 ] . وهذا هو مطلق الرحمة والفضل ، ولذلك ورد الحديث القدسي : عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى - " إن ربكم عز وجل رحيم . من هَمَ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة ، ومن هَمَ بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له واحدة أو يمحوها الله عز وجل ولا يهلك على الله إلا هالك " . ونعرف أن الحق يجزي الحسنة بعشر أمثالها ويضاعف ذلك إلى سبعمائة ضعف ، لأن كل فعل تلازمه طاقة من الإِخلاص في نفاذه ، فكأن الحق قد وضع نظاماً بأن الحسنة بعشر أمثالها ، ثم بالنية المخلصة تبلغ الأضعاف إلى ما شاء الله . وقد وضع الحق هذا النظام لأنه جل وعلا يريد للحسنة أن تُفعل ، وينتفع الغير بها ، فإن كان فاعلها حريصاً على الأجر الزائد فهو يقدمها بنية مخلصة ، ويقول الحق لنا : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } [ الحديد : 11 ] . ويقول أيضاً : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 245 ] . ويحدد هنا جزاء الحسنة بأن ثوابها عشر أمثالها ، ونية معطي الحسنة هي التي يمكنها أن تضاعف إلى سبعمائة أو أزيد . والحق سبحانه وتعالى يعطي مثلاً لذلك في قوله تعالى : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ } [ البقرة : 261 ] . وإذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعطيها أنت حبة فتعطيك سبعمائة فماذا يعطي خالق الأرض ؟ إن عطاءه غير محدود ولا ينفد ، ولذلك يقول سبحانه : { وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ } [ البقرة : 261 ] . ويتابع الحق سبحانه : { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [ الأنعام : 160 ] . ما دام لا يجزي إلا مثلها فهم لا يظلمون أبداً . ويقول الحق بعد ذلك : { قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ … } .